ما ينبغي أن يستقبل به المسلمون عامهم الهجري "الذي جعل الليل والنهار خِلفة لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكوراً"، وصلّى الله وسلم وبارك على محمد القائل :" كن في
الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ".
فإن
في تعاقب الليل والنهار، وكرِّ السنين والشهور والأيام، وتقارب الزمان،
والابتلاء بالنعم والمصائب العظام، لعبرة لأولي الألباب، وذكرى لأصحاب العقول
الكبار، وفي التغافل عن ذلك حسرة وندامة، وشقاوة، وغباوة.
وبعد..
فإني أود أن أذكر نفسي أولاً وإخـواني المسلمين بما ينبغي علينـا أن نستقبل به
العام الهجري الجديد، لأن الذكرى تنفع المؤمنين، وتنبه الغافلين، وتعين
الذاكرين، فأقول:
أولاً:
ينبغي على المسلمين أفراداً وجماعات، رعاة ورعية، علماء وعامة، نساءاً ورجالاً،
أن يحاسبوا أنفسهم بأنفسهم حساباً شديداً صارماً قبل أن يحاسبوا، وعليهم أن
يزنوا أعمالهم قبل أن توزن عليهم، وليتزينوا ليوم العرض الأكبر، على ما صدر
منهم في العام المنصرم والأعوام السابقة، فإن وجد المرء خيراً فليحمد الله، وإن
وجد غير ذلك فليعجل بالتوبة والإنابة قبل فوات الأوان واجتماع الحسرتين: حسرة
الموت، وحسرة الفوت.
ثانياً:
تجديد التوبة الصادقة النصوح من جميع الذنوب والآثام، وعدم التواني في ذلك أو
التسويف فيها.
ثالثاً: على المسلمين أفراداً وجماعات،
حكاماً ومحكومين، شباباً ورجالاً، الانعتاق والتحرر من الولاء لغير الله، فلا
يدعوا غير الله عز وجل، ولا يستغيثوا بغير الله، ولا يصرفوا شيئاً من العبادة
لغير الله، فإن فعلوا شيئاً من ذلك فقد أشركوا مع الله غيره، وعليهم أن يجددوا
إيمانهم.
رابعاً:
عدم
العمل بالحساب في إثبات الأهلة، خاصة المتعلقة بها العبادات الشرعية، كالصيام،
والحج، والزكـاة، والعـدّة، والكفـارات، إلا في الصلاة لارتباطها بالتقويم
الشمسي.
خامساً:
بعث روح الأخوة الإيمانية بين المسلمين، فقد كان أول عمل قام به سيد الخلق بعد
هجرته إلى المدينة، وبعد بناء مسجده، أن آخى بين المهاجرين الذين تركوا أموالهم
وأهليهم، وبين الأنصار الذين آثروهم على أنفسهم وأهليهم، عن طريق التكافل، خاصة
الفقراء منهم، وأن لا ندعهم للمنصرين الذين يحملون المساعدات إليهم بالشمال
ويحملون الإنجيل باليمين .
سادساً: علينا أن نتذكر بهذه
المناسبة حرمة الهجرة لغير ضرورة من ديار الإسلام إلى ديار الكفر التي فتن بها
كثير من المسلمين، سيما الأطباء، والمهندسين، والشباب؛ حيث لا تحل الهجرة لديار
الكفار ولو كانت بغرض الدعوة، كما وضّح ذلك كثير من أهل العلم القدامى
والمحدثين،كما لا يحل للمسلمين من أهلها البقاء فيها إلا لعدم وجود البديل.
سابعاً: علينا الاشتغال
والاهتمام بالعلم الشرعي، فالعلم قائد والعمل تبع له، ومشكلة الإسلام الحقيقية
تكمن بين جهل أبنائه وكيد أعدائه، فنشر العلم الشرعي من أجلِّ القربات بعد أداء
الفرائض، إذ لا يدانيه شيء من العبادات .
ثامناً: ينبغي للمسلمين جميعاً
أن يعلموا أن اليأس والقنوط من رحمة الله من الكبائر العظيمة، وعليهم أن
يقاوموا ذلك في نفوسهم، وأن يعملوا على اجتثاث ذلك من نفوس غيرهم، خاصة الشباب،
فالاستسلام لليأس، والقنوط، والرضا بالواقع من أقوى عوامل الهزيمة، ومن أخطر
أسباب الضعف المهينـة .
تاسعاً:
اعلم أخي المسلم أن العزة لله، ولرسوله، وللمؤمنين، ولكن المنافقين والمتخاذلين
لا يعلمون؛ فلا خير في مؤمن لا يعتدُّ ويعتز بدينه؛ وتذكر خطاب الله عز وجل
للفئة المؤمنة عقب انهزامهم في أحد :"ولا تهنوا ولا
تحزنوا وأنتم الأعلون"؛ فالمؤمن هو الأعلى بإسلامه، وبتوكله على ربه،
وبثقته بأن العاقبة للمتقين، وبأن النصر بيد العزيز الحكيم، لمن أخذ بأسبابه،
وعمل بمقتضى شرعه وخطابه.
عاشراً:
علينا أن نوقن يقيناً صادقاً جازماً أن الله قد أعزنا بالإسلام، وأن من طلب
العزة في غيره أذله الله، أو كما قال الخليفة الملهم عمر بن الخطاب .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين , ولا عدوان إلا على
الظالمين ، والسلام علينا وعلى جميع عباد الله الصالحين