القلق وكيف عالجه الإسلام يوصف عصرنا بأنّه عصر القلق والتوتر والاضطراب النّفسي والمرض العصبي، وما ذلك إلاّ لأنّ الأحداث اليومية والمشكلات والصّراعات قد زادت على حدّها.
اعترف الإسلام، منذ البداية، بأنّ الإنسان مفطور على الخوف، فقال سبحانه وتعالى: {إنَّ الإنسانَ خُلِقَ هَلوعًا إذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وإذا مَسَّهُ الخيرُ مَنُوعًا} المعارج 19 .21 وحتّى تصبح حياةُ المؤمن مستقرّة، يجب عليه تقويم سلوكه بالإيمان بالله عزّ وجلّ، قال سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ''عجبًا لأمْر المؤمن، إنَّ أمْرَه كلَّه له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاَّ للمؤمن، إنْ أصابته سرَّاءُ شَكَر، فكان خيرًا له، وإنْ أصابته ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيرًا له'' رواه مسلم.
لقد سيطرت الأنانية والانتهازية على كلّ فرد، حيث الصّراع على كسب المال، وتقلّد المناصب، والجري على المصالح الذاتية والشّخصية، حتّى أصبح كلّ شخص لا تهمّه إلاّ مصلحته هو وحده فقط. لهذا، توتّرت الأعصاب، واضطربت النّفوس، وأصاب القلق القلوب، وتدهورت الأخلاق وانقلبت القيم والسلوكيات، كلّ ذلك أصبح سمة هذا العصر الّذي نعيشه، على خلاف جيل الآباء والأجداد وسلفنا الصّالح الّذين لم يعرفوا التوتر ولا القلق ولا المرض النّفسي، لأنّهم كانوا أسرة واحدة، يعيشون متحابين متعاونين، لا يحقد أحدهم على الآخر ولا يكيد له، بل يؤثره على نفسه ويحبّ له ما يحبّ لنفسه، يعملون بقول الله تعالى: {إنّما المؤمنون إخوة} الحجرات .10 وبقوله جلّ جلاله: {وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعُدوان} المائدة .2 وبقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: ''لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه''. أمّا نحن، فما أشقانا وما أتعسنا، حتّى الأطفال والصغار منّا عرفوا، اليوم، الأمراض النّفسية والتوتر والكآبة، ويسودنا جميعًا العبوس والجفاء والشكّ والتّشاؤم والتّخاذل. ورغم كلّ الابتكارات والاختراعات والتقدّم العلمي والتكنولوجي الرّهيب، وما تنتجه من أساليب الرقي والترفيه عن النّاس وإنقاذهم من الحزن ومشاعر التوتر واليأس، إلاّ أنّ مجتمعاتنا تعاني من التمزق النّفسي والتّفكّك والأمراض النّفسية المخيفة.
ولعلّ من أسباب القلق والتوتر واضطراب الأعصاب في هذا العصر: الخوف من أيّ شيء ومن لا شيء، وتوقّع السّوء وانتظار الأذى، وسوء الظنّ بالآخرين والشّك فيهم، بل والحقد عليهم، وتغيّر أسلوب الحياة والعلاقات الاجتماعية وانقلاب القيم والمُثل، والتفكّك العائلي وكثرة المشكلات الأسرية والخلافات بين الزوجين... وغيرها. وكذلك جمع المال والإمساك به، خشية الفقر أو ضياع الغنى، وإنّ المال قد ينقلب على صاحبه ويصبح نقمة بدلاً من أن يكون نعمة.
وإذا عرف سبب الدّاء، كان الطريق سهلاً ممهّدًا للدواء وعلاج المرض، أوّلاً وقبل كلّ شيء، بالتمسُّك بكتاب الله تعالى وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وقد رسم الله سبحانه وتعالى لنا المنهاج الأمثل الّذي يقينا شرّ الأمراض العضوية والنّفسية، كما يدفع عنّا الخوف والقلق، وحدّد لنا المولى الكريم سبحانه وتعالى الخطوات الراشدة الّتي تسعدنا، دنيا وآخرة، أولها اللجوء إلى الله والتوكّل عليه: {ومَن يتّق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومَن يتوكّل على الله فهو حسبُه} الطلاق .2
وإذا ما أصاب الإنسان قلق وتوتر أو خوف، فعليه أن يحمي نفسه بالصّلاة، عملاً بقوله تعالى: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرة إلاّ على الخاشعين} البقرة .45
ومن طرق العلاج الّتي حثّنا عليها الله تعالى لإزالة أسباب التوتر، أن نذكُره سبحانه وتعالى دائمًا بقوله جلّ جلاله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرعد .28 وكان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، إذا لحق به شيء من عوارض الحياة، كالشدة والكرب والغضب وعسر المعيشة، لجأ إلى ربّه بالتضرّع والدعاء. ومن الأدعية الّتي علّمنا إيّاها رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، لمنع الأرق والرؤى المفزعة والكرب قوله صلّى الله عليه وسلّم: إذا فزع أحدكم في النّوم، فليقل: ''أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه وشرّ عباده ومن همزات الشّياطين وأن يحضرون فإنّها لا تضرّه''.