في وقت بدأت الدول الغربية أمس وضع خطط عاجلة لفرض حظر جوي على ليبيا،
رغم بعض التحفظات عن إمكان القيام بذلك من دون الدخول في مواجهة عسكرية مع
قوات العقيد معمر القذافي، أعلنت الجامعة العربية أنها «تدرس فقط» إقتراحاً
قدّمه الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز لحل الأزمة في ليبيا من خلال إرسال
وفد يجتمع مع القذافي ومعارضيه. ولكن في حين أعلنت كراكاس أن الزعيم الليبي
وافق على خطة تشافيز، ردت فرنسا وأميركا بإعلان رفضهما أي حل يسمح ببقاء
القذافي في الحكم. كما اعلنت المعارضة الليبية رفضها التفاوض الا على رحيل
القذافي.
واعلن الرئيس باراك اوباما، في مؤتمر صحافي عقده في البيت الابيض:
«سنواصل توجيه رسالة واضحة: يجب ان يتوقف العنف، ان معمر القذافي فقد
شرعيته كقائد وعليه ان يرحل».
وقال «ان الولايات المتحدة تواصل مع العالم اجمع التعبير عن الاستهجان
لاستخدام العنف ضد الشعب الليبي»، معلنا ان الولايات المتحدة تدرس «خيارات
عدة» متعلقة بطريقة التعامل مع الوضع في ليبيا.
وقال ان الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ينبغي ان يكونا مستعدين
للتحرك على وجه السرعة اذا استدعت ازمة انسانية ذلك او لوقف العنف ضد
المدنيين في ليبيا.
جاء ذلك في وقت أعلن الإدعاء في المحكمة الجنائية الدولية بدء تحقيقات
قد تؤدي إلى محاكمات بتهم ارتكاب جرائم ضد الشعب الليبي قام بها القذافي
وبعض أبنائه ومسؤولون كبار في نظامه.
وبدأت، في غضون ذلك، الاستعدادات لما بدا أنه سيكون «معركة كسر عظام»
بين القوات الموالية للقذافي وبين الثوار بعدما بات الجانبان قاب قوسين أو
أدنى من مواجهة مباشرة. إذ استعد القذافي لحشد قواته غرب منطقة رأس الانوف
النفطية وعند مشارف سرت تمهيداً لهجوم محتمل في اتجاه الشرق. فيما وصل
الثوار إلى شرق رأس الانوف وباتوا على مشارف المنطقة النفطية الفاصلة بين
الجانبين. ولا يزال حشد المقاتلين مستمراً في بنغازي، عاصمة شرق ليبيا، من
أجل إرسال إمدادات في اتجاه الغرب لتعزيز السيطرة على أجدابيا والبريقة
ورأس الانوف. ما قابله القذافي بقصف جوي على أجدابيا ورأس الانوف بهدف
تقطيع أواصل المنطقة ومنع الثوار من مواصلة زحفهم. وقال لـ «الحياة» ناطق
عسكري باسم الثوار في الشرق إن الجبل الغربي «انتفض» بدوره ضد نظام القذافي
وسيطر الثوار على نالوت وغريان.
وكانت «معركة البريقة» انتهت بسيطرة الثوار تماماً أول من أمس على
الميناء وكل المنشآت النفطية، بعدما وصلتها تعزيزات من أجدابيا الواقعة
شرقها، فيما تحرك مئات الثوار وضباط في القوات المسلحة انضموا للثوار
مدججين بالأسلحة من بنغازي غرباً في اتجاه أجدابيا قاصدين البريقة. وقال
الملازم أول طيار عطية عمر المنصوري لـ «الحياة» إن الثوار اعتقلوا العشرات
من قوات القذافي التي هاجمت البريقة أول من أمس.
وفي باريس، قال وزير الخارجية الفرنسي الجديد آلان جوبيه أمس إن باريس
ولندن ستؤيدان فكرة إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا إذا استمرت قوات القذافي
في مهاجمة المواطنين. وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع جوبيه، قال وزير
الخارجية البريطاني وليام هيغ إن بريطانيا وفرنسا تعملان على وضع اقتراحات
«جريئة وطموحة» لطرحها على الاجتماع الذي يعقده الاتحاد الأوروبي في شأن
ليبيا الأسبوع المقبل، وانهما ستفعلان كل ما بوسعهما لزيادة الضغوط على
القذافي.
وقال جوبيه الذي شغل سابقاً منصب رئيس الحكومة، «إننا ندين بقوة العقيد
القذافي الذي فقد أي ثقة (به) بعدما استخدم العنف ضد شعبه ونطالب
بمغادرته». وذكر أنه والوزير هيغ عملا على تقدير التشدد الذي ينبغي فرضه
على نظام القذافي، عبر ضغوط اقتصادية ومالية لحمله على ترك السلطة و«وافقنا
أيضاً على وضع خطة لمنطقة حظر جوي يفرض على ليبيا إذا تبلور التهديد الذي
يلوّح به القذافي باستخدام القوة ضد شعبه».
لكن وزير خارجية ألمانيا غيدو فيسترفيلله قال أمس إن بلاده تعارض أي
تدخل عسكري أجنبي في ليبيا. وأضاف في اجتماع لوزراء خارجية دول وسط أوروبا
في سلوفاكيا: «نحن لا نشارك... ولا نشترك في بحث أي تدخل عسكري لأننا نعتقد
أن هذا سيأتي بنتائج عكسية».
كما أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فوغ راسموسن أن الحلف لا
ينوي التدخل في ليبيا لكنه «يستعد في شكل مدروس لكل احتمال»، وأنه «أخذ
علماً» بطلب المعارضة الليبية في بنغازي من الدول الغربية تنفيذ ضربات جوية
ضد مواقع القوات الموالية للنظام.
وقال الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى أمس إن الخطة التي اقترحها
الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز لحل الأزمة في ليبيا «قيد الدراسة» فحسب،
واعلان تفاصيلها أمر يخص فنزويلا. وقالت صحيفة «يوسبريدس» الليبية في
اصدارها الالكتروني في وقت سابق إن القذافي وافق على اقتراح تشافيز.
لكن موسى صرّح إلى «رويترز» بعد اجتماع مع الرئيس التركي عبدالله غل
الذي يزور مصر «انه اقتراح فنزويلي وارسل الينا ونحن ندرسه وهذا كل شيء».
وأعلن جوبيه رفض فرنسا لاقتراح الوساطة الذي تقدم به الرئيس الفنزويلي،
رافضاً أي مبادرة تبقي على القذافي في السلطة. وقال الوزير الفرنسي، رداً
على سؤال عن الاقتراح الفنزويلي: «إن أي وساطة تتيح للعقيد القذافي ان يخلف
نفسه ليست موضوع ترحيب من جانبنا».
وكان الرئيس الفنزويلي اقترح الاثنين انشاء لجنة سلام دولية من دول عدة
تقوم بوساطة بين الزعيم الليبي والمعارضين. وبحث تشافيز هذا الاقتراح مع
الزعيم الليبي نفسه هاتفياً، وندد مسبقاً بأي تدخل عسكري دولي محتمل في
ليبيا اعتبر انه سيكون «كارثياً».
في مقابل ذلك، نقلت وكالة «رويترز» عن أحمد جبريل، وهو مساعد لوزير
العدل السابق مصطفى عبد الجليل الذي يرأس الان المجلس الذي يتخذ من بنغازي
مقرا: «اذا كانت هناك اي مفاوضات فستكون حول شيء واحد... كيف سيغادر
القذافي البلاد او يتنحى كي يمكننا انقاذ الارواح. لا يوجد شيء اخر للتفاوض
في شأنه».
في غضون ذلك، قالت المحكمة الجنائية الدولية أمس إنها ستخضع الزعيم
الليبي وابناءه وأفراد من المحيطين بهم للتحقيق في جرائم ارتكبتها قوات
الأمن التابعة لهم. وقال مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينيو
اوكامبو ان أحدا لا يملك سلطة قتل مدنيين.
وأضاف أن المحكمة حددت أشخاصاً عديدين على قمة سلم القيادة يمكن اخضاعهم
للتحقيق. وتابع «هم معمر القذافي ودائرة المقربين منه ومن بينهم بعض من
ابنائه الذين في ايديهم السلطة الفعلية. كما أن هناك بعض الاشخاص لهم
صلاحية رسمية ممن يتعين عليهم الانتباه للجرائم التي يرتكبها اشخاص تابعون
لهم.»
وفيما وصف المتحدث باسم الحكومة الليبية موسى ابراهيم تحقيقات المحكمة
الجنائية الدولية بأنها أقرب إلى المزحة حيث لم ترسل بعثة تقصى حقائق الى
بلده، قال أوكامبو ان أشخاصاً اخرين من المقربين للقذافي سيخضعون للتحقيق
من قبل المحكمة بينهم قائد اللواء الـ 32 (يرأسه خميس القذافي) ومرتزقة
اجانب ومتحدث باسم النظام ومستشار الأمن الوطني الليبي (معتصم القذافي)
ورئيس جهاز الأمن الخارجي (أبو زيد عمر دوردة) ووزير الخارجية (موسى كوسة).