المحبة في الله
إن
التحابب في الله تعالى و الأخوة في دينه من أعظم القربات ، و لها شروط
يلتحق بها المتصاحبون بالمتحابين في الله تعالى ، و بالقيام بحقوقها يتقرب
إلى الله زلفى ، و بالمحافظة عليها تنال الدرجات العلى ، قال تعالى : " و
ألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم و لكنّ
الله ألّف بينهم " ( الأنفال 63) قال ابن مسعود رضي الله عنه : هم المتحابون في الله و في رواية : نزلت في المتحابين في الله (رواه النسائي و الحاكم و قال صحيح) قال بعضهم : وأحبب لحبّ الله من كان مؤمنــــا *** و أبغض لبغض الله أهل التّمرّد وما الدين إلا الحبّ و البغض و الولا *** كذاك البرا من كل غاو و معتدىقال ابن رجب رحمه الله تعالى : و من تمام محبة الله ما يحبه و
كراهة ما يكرهه ، فمن أحبّ شيئا مما كرهه الله ، أو كره شيئا مما يحبه
الله ، لم يكمل توحيده و صدقه في قوله لا إله إلا الله ، و كان فيه من
الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما أحبه الله ، و ما أحبه مما يكرهه الله و قال ابن القيم رحمه الله : من أحبّ شيئا سوى الله ، و لم تكن محبته له لله ، و لا لكونه معينا له على طاعة الله ، عذب به في الدنيا قبل اللقاء كما قيل :أنت القتيل بكل من أحببته *** فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي ** ثمرات و فضائل المحبة في الله **
للمحبة في الله ثمرات طيبة يجنيها المتحابون من ربهم في الدنيا و الآخرة منها: 1) محبة الله تعالى : عن معاذ رضي الله عنه قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "قال الله تبارك و تعالى : وجبت
محبتي للمتحابين فيّ ، و المتجالسين فيّ و المتزاورين فيّ ، و المتباذلين
فيّ " (رواه مالك و غيره ) و قول الملك للرجل الذي زار أخا له في الله :"إني رسول الله إليك بأنّ الله قد أحبّك كما أحببته فيه" 2) أحبهما إلى الله أشدّهما حبا لصاحبه : عن أبي الدرداء رضي الله عنه يرفعه
قال :" ما من رجلين تحابا في الله إلا كان أحبّهما إلى الله أشدّهما حبا
لصاحبه " (رواه الطبراني ) 3) الكرامة من الله : عن أبي أمامة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما من عبد أحبّ عبدا لله إلا أكرمه
الله عز وجل " ( أخرجه أحمد بسند جيّد) وإكرام الله للمرء يشمل إكرامه له بالإيمان ، والعلم النافع ، والعمل الصالح ، و سائر صنوف النِّعم 4) الاستظلال في ظلّ عرش الرحمن : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "إنّ الله تعالى يقول يوم القيامة :
أين المتحابون بجلالي ؟ اليوم أظلّهم في ظلّي يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي ( رواه
مسلم) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " :"
فقوله : أين المتحابون بجلال الله ؟ تنبيه على ما في قلوبهم من إجلال الله
و تعظيمه مع التحاب فيه ، و بذلك يكونون حافظين لحدوده، دون الذين لا
يحفظون حدوده لضعف الإيمان في قلوبهم " و عن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " سبعة يظلهم الله تعالى يوم
لا ظلّ إلا ظله : إمام عادل ، و شاب نشأ في عبادة الله ، و رجل قلبه معلّق بالمساجد ، و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرّقا عليه …" ( متفق عليه) 5) وجد طعم الإيمان : قال عليه الصلاة و السلام : " من
أحبّ أن يجد طعم الإيمان فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله ( رواه الحاكم و
قال : صحيح الإسناد و لم يخرجاه و أقرّه الذهبي) 6) وجد حلاوة الإيمان: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان،
فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله" ( رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي ) و عن أنس رضي الله عنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان :
أن يكون الله و رسوله أحبّ إليه مما سواهما ، و أن يحبّ المرء لا يحبه إلا
لله ، و أن يكره أ يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه ، كما يكره أن
يلقى في النار " (متفق عليه) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه
الله في "مجموع الفتاوى":" أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أنّ هذه الثلاث
من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان ، لأنّ وجد الحلاوة بالشيء يتبع المحبة له ،
فمن أحبّ شيئا أو اشتهاه ، إذا حصل له مراده،فإنه يجد الحلاوة و اللذة و
السرور بذلك و اللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملائم الذي هو المحبوب أو
المشتهى … فحلاوة الإيمان ، تتبع كمال محبة العبد لله ، و ذلك بثلاثة أمور
: تكميل هذه المحبة ، و تفريعها ، و دفع ضدها "فتكميلها" أن يكون الله و رسوله
أحب إليه مما سواهما ، فإن محبة الله و رسوله لا يكتفى فيها بأصل الحبّ ،
بل لا بدّ أن يكون الله و رسوله أحبّ إليه مما سواهما و " تفريعها" أن يحب المرء لا يحبه إلا لله و "دفع ضدها " أن يكره ضدّ الإيمان أعظم من كراهته الإلقاء في النار " 7) استكمال الإيمان : عن أبي أمامة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من أحبّ لله ، و أبغض لله ، و أعطى
لله ، و منع لله ، فقد استكمل الإيمان " (رواه أبو داود بسند حسن) 8) دخول الجنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا
تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا
السلام بينكم " (رواه مسلم) 9) قربهم من الله تعالى و مجلسهم منه يوم القيامة :عن أبي مالك الأشعري قال : " كنت
عند النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت عليه هذه الآية :" يا أيها الذين
آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" (المائدة 101) قال : فنحن
نسأله إذ قال : 3 إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء و لا شهداء ، يغبطهم
النبيون و الشهداء بقربهم و مقعدهم من الله يوم القيامة ، قال : و في
ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه و رمى بيديه ، ثم قال : حدثنا يا رسول
الله عنهم من هم ؟ قال : فرأيت في وجه النبي صلى الله عليه و سلم البِشر ، فقال
النبي صلى الله عليه و سلم : " هم عباد من عباد الله من بلدان شتى ، و
قبائل شتى من شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها ، و لا دنيا
يتباذلون بها ، يتحابون بروح الله ، يجعل الله وجوههم نورا و يجعل لهم
منابر من لؤلؤ قدام الناس ، و لا يفزعون ، و يخاف الناس و لا يخافون "
(رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي ) 10) وجوههم نورا يوم القيامة :من الحديث السابق في قوله :" يجعل الله وجوههم نورا" 11) لهم منابر من لؤلؤ: نفس الحديث السابق في قوله :" يجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس " 12) لهم منابر من نور : و في حديث ابن عمر رضي الله عنهما
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء
و لا شهداء يغبطهم الشهداء و النبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ،
و مجلسهم منه " ، فجثا أعرابي على ركبتيه فقال : يا رسول الله صفهم لنا و
جلِّهم لنا ؟قال:" قوم من أقناء الناس من نزّاع القبائل ، تصادقوا في الله
و تحابّوا فيه ، يضع الله عزّ و جلّ لهم يوم القيامة منابر من نور ، يخاف
الناس و لا يخافون ، هم أولياء الله عزّ و جلّ الذين لا خوف عليهم و لا هم
يحزنون " ( أخرجه الحاكم و صححه الذهبي ) 13) يغبطهم الأنبياء و الشهداء يوم القيامة:من الحديثين السابقين : حديث
الأشعري و ابن عمر رضي الله عنهم في قوله صلى الله عليه و سلم:" يغبطهم
الشهداء و النبيون يوم القيامة لقربهم من الله تعالى ،و مجلسهم منه " 14) تسميتهم بأولياء الله :من حديث ابن عمر السابق في قوله صلى الله عليه و سلم :" هم أولياء الله عز و جل " 15) انتفاء الخوف و الحزن عنهم يوم القيامة :من الحديثين السابقين : حديث
الأشعري و ابن عمر رضي الله عنهم : " لا خوف عليهم و لا هم يحزنون " و
قوله " و لا يفزعون ، و يخاف الناس و لا يخافون " 16) أنّ المرء بمحبته لأهل الخير لصلاحهم و استقامتهم يلتحق بهم و يصل إلى مراتبهم ، و إن لم يكن عمله بالغ مبلغهم : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:جاء
رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ،كيف تقول في
رجل أحبّ قوما ولم يلحق بهم ؟ قال : "المرء مع من أحبّ" (الصحيحان) و في الصحيحين أيضا عن أنس رضي الله
عنه أنّ رجلا سأل النبي صلى الله عليه و سلم متى الساعة ؟ قال : " ما
أعددت لها ؟ " قال : ما أعددت لها من كثير صلاة و لا صوم و لا صدقة ، و
لكني أحبّ الله و رسوله، قال :" أنت مع من أحببت" ، قال أنس : فما فرحنا
بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه و سلم :"أنت مع من أحببت" فأنا أحب
النبي صلى الله عليه و سلم و أبا بكر و عمر ، و أرجو أن أكون معهم بحبي
إياهم ، و إن لم أعمل بمثل أعمالهم وعن علي رضي الله عنه مرفوعا:"لا يحب رجل قوما إلا حشر معهم"( الطبراني في الصغير) من يختار للمحبة و الصحبة
قال القرافي :" ما كل أحد يستحق أن يعاشر و لا يصاحب و لا يسارر " و قال علقمة : اصحب من إن صحبته
زانك ، و إن أصابتك خصاصة عانك و إن قلت سدّد مقالك ، و إن رأى منك حسنة
عدّها ، و إن بدت منك ثلمة سدّها ، و إن سألته أعطاك ، و إذا نزلت بك مهمة
واساك ، و أدناهم من لا تأتيك منه البوائق ، و لا تختلف عليك منه الطرائق و يقول الشيخ أحمد بن عطاء : مجالسة
الأضداد ذوبان الروح ، و مجالسة الأشكال تلقيح العقول ، و ليس كل من يصلح
للمجالسة يصلح للمؤانسة ، و لا كل من يصلح للمؤانسة يؤمن على الأسرار ، و
لا يؤمن على الأسرار إلا الأمناء فقط و يكفي في مشروعية التحري لاختيار
الأصدقاء قوله صلى الله عليه و سلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم
من يخالل " (رواه أبو داود و غيره) قال الأوزاعي : الصاحب للصاحب كالرقعة للثوب ، إذا لم تكن مثله شانته قيل لابن سماك : أيّ الإخوان أحقّ
بإبقاء المودة؟قال:الوافر دينه ، الوافي عقله ، الذي لا يملَّك على القرب
،و لا ينساك على البعد ،إن دنوت منه داناك ، و إن بعدت منه راعاك ، و إن
استعضدته عضدك ،و إن احتجت إليه رفدك،و تكفي مودة فعله أكثر من مودة قوله و قال بعض العلماء : لا تصحب إلا
أحد رجلين : رجل تتعلّم منه شيئا في أمر دينك فينفعك ، أو رجل تعلمه شيئا
في أمر دينه فيقبل منك ، و الثالث فاهرب منه قال علي رضي الله عنه :إنّ أخاك الصِّدق من كان معك *** و من يضُرُّ نفسه لينفعك و من إذا ريب الزّمان صدعك *** شتّت نفسه ليجمعك و قال بعض الأدباء:لا تصحب من الناس
إلا من يكتم سرّك،و يستر عيبك، فيكون معك في النوائب،و يُؤثرك بالرّغائب،و
ينشر حسنتك،و يطوي سيّئتك ، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك و قد ذكر العلماء فيمن تُؤثر صحبته و محبته خمس خصال : أن يكون عاقلا ، حسن الخلق ، غير فاسق ، و لا مبتدع ، و لا حريص على الدنيا 1) أما العقل : فهو رأس المال و هو الأصل فلا خير في صحبة الأحمق قال علي رضي الله عنه : فلا تصحب أخا الجهل *** و إياك و إياه فكم من جاهل أردى *** حليما حين آخاه يُقاس المرء بالمرء *** إذا ما المرء ماشاه و للشيء على الشيء *** مقاييس و أشباه و للقلب على القلب *** دليل حين يلقاه و العاقل الذي يفهم الأمور على ما هي عليه ، إما بنفسه و إما إذا فُهِّم 2) أما حسن الخلق :
فلا بدّ منه إذ ربّ عاقل يدرك الأشياء على ماهي عليه ، و لكن إذا غلبه غضب
أو شهوة أو بُخل أو جبن أطاع هواه ، و خالف ما هو المعلوم عنده ، لعجزه عن
قهر صفاته ، و تقويم أخلاقه ، فلا خير في صحبته قال أبو حاتم ابن حبان رحمه الله :
الواجب على العاقل أن يعلم أنه ليس من السرور شيء يعدل صحبة الإخوان ، و
لا غم يعدل غم فقدهم ، ثم يتوقى جهده مفاسدة من صافاه ، و لا يسترسل إليه
فيما يشينه،و خير الإخوان من إذا عظمته صانك ،و لا يعيب أخاه على
الزّلّة،فإنه شريكه في الطبيعة، بل يصفح،و ينتكب محاسدة الإخوان،لأن الحسد
للصديق من سقم المودة ،كما أن الجود بالمودة أعظم البذل ، لأنه لا يظهر
ودّ صحيح من قلب سقيم 3) أما الفاسق : فلا فائدة في صحبته ، فمن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته و لا يوثق بصداقته ، بل يتغيّر بتغيّر الأعراض قال تعالى :" و لا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه " ( الكهف 28) و قال تعالى :"فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا و لم يرد إلا الحياة الدنيا"(النجم 29) ، و قال النبي صلى الله عليهو سلم :"لا تصاحب إلا مؤمنا و لا يأكل طعامك إلا تقي "( رواه الترمذي و أبو داود) قال أبو حاتم رحمه الله في"روضة
العقلاء":"العاقل لا يصاحب الأشرار،لأن صحبة صاحب السوء قطعة من
النار،تعقب الضغائن، لا يستقيم ودّه ، و لا يفي بعهده ، و إن من سعادة
المرء خصالا أربعا:أن تكون زوجته موافقة ، وولده أبرار ، و إخوانه صالحين
،و أن يكون رزقه في بلده .و كل جليس لا يستفيد المرء منه خيرا ، تكون
مجالسة الكلب خيرا من عشرته ،و من يصحب صاحب السوء لا يسلم،كما أن من يدخل
مداخل السوء يتهّم " قال بعضهم :ابل الرجال إذا أردت إخاءهم *** و توسّمنّ أمورهم و تفقّد فإذا ظفرت بذي الأمانة و التُّقى *** فبه اليدين قرير عين فاشدد 4) أما المبتدع : ففي صحبته خطر سراية البدعة و تعدي شؤمها إليه ، فالمبتدع مستحق للهجر و المقاطعة ، فكيف تؤثر صحبته 5) أما الحريص على الدنيا :
فصحبته سمّ قاتل ، لأنّ الطّباع مجبولة على التشبّه و الاقتداء ، بل الطبع
يسرق من الطبع من حيث لا يدري صاحبه ، فمجالسة الحريص على الدنيا تحرّك
الحرص ، و مجالسة الزاهد تزهدّ في الدّنيا ، فلذلك تكره صحبة طلاب الدنيا
، و يستحب صحبة الراغبين في الآخرة الناس شتىّ إذا ما أنت ذقتهم *** لا يستوون كما لا يستوي الشّجر هذا له ثمر حلو مذاقته *** و ذاك ليس له طعم و لا ثمر علامات الحب في الله
1) أنه لا يزيد بالبرّ ولا ينقص بالجفاء : من علامات الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء ، قال يحيى ابن معاذ الرازي : حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر و لا تنقص بالجفاء 2) الموافقة :و من علامات الحب في الله الموافقة ، قال بعضهم : يقول للشيء لا إن قلت لا *** و يقول للشيء نعم إن قلت نعم 3) لا يحسد أخاه : و من علاماته أن لا يحسد المحبّ أخاه في دين و لا دنيا و قد وصف الله تعالى المتحابين في
قوله :" و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو
كان بهم خصاصة " ( الحشر ٩ ) 4) أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه : و من علاماته أن يحب لأخيه ما يحب
لنفسه ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ
لأخيه ما يحبّ لنفسه " ( رواه الشيخان) 5) أن يكون معيار المحبة الطاعة : ومن علاماته أن يزداد إذا رأى أخاه في طاعة الله،وينقص إذا رأى منه معصية الله عزّ وجل حقوق الأخوة و مستلزمات الصحبة و المحبة
لكل
مسلم على أخيه المسلم حقوقا ، و هذه الحقوق أوجبها عقد الإسلام ، و صارت
لكل مسلم بهذا العقد حرمة ، لا يحل لأحد أن ينتهكها ، و قد أتت جملة من
هذه الحقوق ، و بيان لهذه الحرمة من كلام النبي صلى الله عليه و سلم ، فمن
ذلك قوله صلى الله عليه و سلم : " حقّ المسلم على المسلم ستّ : إذا لقيته
فسلّم عليه ، و إذا دعاك فأجبه ، و إذا استنصحك فانصح له ، و إذا عطس فحمد
الله فشمته ، و إذا مرض فعده ، و إذا مات فاتبعه " (متفق عليه)و في بيان حرمة المسلم ، و ما لا
يجوز للمسلم أن يقع فيه مع سائر المسلمين قوله صلى الله عليه و سلم :"
إياكم و الظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ، و لا تحسّسوا ، و لا تجسّسوا ، و
لا تنافسوا ، و لا تحاسدوا ، و لا تباغضوا ، و كونوا عباد الله إخوانا ،
المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه و لا يخذله و لا يحقره ، التقوى ههنا … و
يشير إلى صدره ، بحسب امرئ من الشرّ أ يحقر أخاه المسلم ، كل المسلم على
المسلم حرام : دمه و عرضه و ماله " (رواه الشيخان) إنّ عقد الأخوة رابطة بين الشخصين
كعقد النكاح بين الزوجين ، و يترتب على هذا العقد حقوق المال و البدن و
اللسان و القلب ، و بمراعاة هذه الحقوق تدوم المودة و تزداد الألفة ، و
يدخل المتعاقدين في زمرة المتحابين في الله ، و ينالان من الأجر و الثواب
ما أسلفناه 1) حقوق الأخوة في المال :- فمن حقوق المال الواجبة إنظاره
إلى ميسرة إن كان غريما ، قال تعالى :" و إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"
(البقرة 280) ، و قال صلى الله عليه و سلم :" من يسّر على معسر يسّر الله
عليه في الدنيا و الآخرة" ( مسلم و غيره) - و من حقوق الأخوة المواساة بالمال : و هي كما قال العلماء على ثلاث مراتب : 1) أدناها
أن تقوم بحاجته من فضل مالك،فإذا سنحت له حاجة،وكان عندك فضل، أعطيته
ابتداءً ولم تحوجه إلى السؤال،فإن أحوجته إلى السؤال،فهو غاية التقصير في
حقّ الأخوة2) الثانية: أن تنزله منزلة نفسك ، و ترضى بمشاركته إياك في مالك قال الحسن : كان أحدهم يشقّ إزاره
بينه و بين أخيه ، و جاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه و قال : إني أريد
أن أواخيك في الله ، فقال : أتدري ما حق الإخاء ؟ قال : عرّفني ، قال أن
لا تكون أحقّ بدينارك و درهمك مني ، قال : لم أبلغ هذه المنزلة بعد ، قال
اذهب عني و قال علي بن الحسين لرجل : هل يُدخل أحدكم يده في كمّ أخيه أو كيسه ، فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه ؟ قال : لا ، قال : فلستم بإخوان 3) الثالثة : و هي العليا ، أن تؤثره على نفسك ، و تقدّم حاجته على حاجتك ، و هذه رتبة الصديقين ، و منتهى درجات المحبين قال ابن عمر رضي الله عنهما : أهدى
لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم رأس شاة ، فقال : أخي فلان
أحوج مني إليه ، فبعث به إليه ، فبعثه ذلك الإنسان إلى آخر ، فلم يزل يبعث
به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول ، بعد أن تداوله سبعة فكانت هذه المرتبة العليا من الإيثار ، هي مرتبة الصحابة الكرام رضي الله عنهم عن حميد قال : سمعت أنسا رضي الله
عنه قال : لما قدموا المدينة نزل المهاجرون على الأنصار ، فنزل عبد الرحمن
بن عوف على سعد ابن الربيع ، فقال : أقاسمك مالي ، و أنزل لك عن إحدى
امرأتي ، قال : بارك الله لك في أهلك و مالك ، فآثره بما آثره به ، و كأنه
قبله ثم آثره به و قد مدحهم الله عزّ و جلّ بقوله : " و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة " ( الحشر٩ قال أبو سليمان الداراني : كان لي
أخ بالعراق ، فكنت أجيئه في النوائب ، فأقول : أعطني من مالك شيئا ، فكان
يلقي إليّ كيسه فآخذ منه ما أريد ، فجئته ذات يوم فقلت : أحتاج إلى شيء
فقال : كم تريد ؟ فخرجت حلاوة إخائه من قلبي و قال آخر:إذا طلبت من أخيك
مالا فقال:ماذا تصنع به فقد ترك حقّ الإخاء .فهذه مراتب المواساة بالمال ، فإن
لم توافق نفسك رتبة من هذه الرتب مع أخيك فاعلم أنّ عقد الأخوة لم ينعقد
بعد في الباطن ، و إنما الجاري بينكما مخالطة رسمية لا وقع لها في العقل و
الدين ، قال ميمون بن مهران : "من رضي من الإخوان بترك الأفضال ، فليؤاخ
أهل القبور " 2) حقوق الأخوة في البدن :و يقصد بها الإعانة بالنفس في قضاء
الحاجات ، و القيام بها قبل السؤال ، و تقديمها على الحاجات الخاصة ، و
هذه أيضا لها درجات كالمواساة بالمال 1) أدناها القيام بالحاجة عند السؤال و القدرة مع البشاشة و الاستبشار و إظهار الفرح و قبول المنة :قال النبي صلى الله عليه و سلم:"من
نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة
،ومن يسّر على معسّر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ،و من ستر مسلما
ستره الله في الدنيا و الآخرة ،و الله في عون العبد ما كان العبد في عون
أخيه " أرسل الحسن البصري جماعة من أصحابه
في قضاء حاجة لأخ لهم ، و قال : مروا بثابت البناني فخذوه معكم ، فمروا
بثابت فقال : أنا معتكف ، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال لهم : قولوا له
يا أعمش أما علمت أن سعيك في حاجة أخيك خير لك من حجّة بعد حجة ، فرجعوا
إلى ثابت فأخبروه ، فترك اعتكافه و خرج معهم 2) الدرجة الثانية : أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك :كان بعض السلف يتفقّد عيال أخيه بعد
موته أربعين سنة ، يقوم بحاجتهم ، و يتردّد كل يوم إليهم و يمونهم من ماله
، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا عينه 3) أن تقدّم حاجة أخيك على حاجتك ، و تبادر إلى قضائها و لو تأخرت حاجتكقضى ابن شبرمة لبعض إخوانه حاجة
كبيرة ، فجاء بهدية ، قال : ماهذا؟ قال : لما أسديته إليّ ، قال : خذ مالك
عافاك الله ، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها ، فتوضأ للصلاة
و كبّر عليه أربع تكبيرات ، و عدّه من الموتى و كان الحسن يقول:إخواننا أحبّ
إلينا من أهلنا و أولادنا لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا ، و إخواننا يذكرون
بالآخرة ويدخل في حق المسلم علىأخيه المسلم زيارته له في الله عزّو جلّ ،
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"ألا أخبركم برجالكم من أهل
الجنة؟النبي في الجنة ، و الشهيد في الجنة ، و الصديق في الجنة ، و الرجل
يزور أخاه في ناحية المصر في الجنة "