خـريف الضـمير خريف الضمير
إن المرء لتأخذه الدهشة من هذه المفارقة المذهلة..
لماذا يزداد التدين وتنحط الأخلاق؟
لماذا يتزاحم الدعاة في الفضائيات والميكروباصات، وفي المنابر والمنازل..
وفي شواطئ مارينا ومترو الأنفاق
دون أثر لذلك في سلوك البشر أو في حياة الناس؟
لماذا تزداد اللحي والجلاليب البيضاء
وعلامات الصلاة
ومعها خريطة واسعة تمتد من شبه الحجاب إلي النقاب..
بينما تبدو جميع السلوكيات في جميع الميادين
وكأننا بلاد بلا دين..
أو دين بلا متدينين..
أو لا دين ولا متدينين؟!
إن جميع العرب يذهبون إلي صلاة الجمعة..
أكثر من تسعين بالمائة من المسلمين العرب يذهبون إلي المساجد
مرة واحدة علي الأقل أسبوعيا
وتمتلئ دور العبادة بحشود هائلة من السيدات
اللائي يستمعن إلي محاضرات ودروس في علوم الدين.
وتحظي «قناة الناس» ومجمل القنوات الدينية
بمعدلات مشاهدة كبري
كما يحظي كبار الخطباء وصغار الدعاة بما يحظي به نجوم الفن والرياضة
من اهتمام يختلط فيه الانبهار بالانكسار.
* يذرف ملايين العرب الدموع في مناسك العمرة الممتدة علي مدار العام
وفي صلوات الشهر الفضيل من الغروب إلي الشروق..
تهجداً وقياما
ويغتاظ ملايين العرب من كل قول أو فعل يسيء إلي الدين الحنيف
ويدعون ربهم سراً وجهراً
أن ينتقم من أعداء الإسلام والمسلمين.
ولا يقول «العربى»
لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن يشاء الله
ويقدم العرب جميعاً «المشيئة»
علي ما هم فاعلون..
صادقين وكاذبين.
وقد اكتسبت التكنولوجيا الحديثة معالم الإيمان
كما يراها العرب ففي المصاعد ثمة من يكتبون ويقولون
«أدعية السفر»
وفي رحلات الطيران تبدأ الطائرات إقلاعها بالدعاء
وفي أجهزة الحاسب تضيء الشاشات جنباتها بالبسملة
وما تيسر من القرآن
وفي المكالمات الهاتفية بات الناس يبدأون حديثهم بالسلام وينهونه بالشهادتين..
يبدأ أحدهما بلا إله إلا الله
ليكمل الآخر بمحمد رسول الله
لتضع السماعة أوزارها.
ولا تخلو مدرسة ولا مستشفي ولا قسم للشرطة أو مصلحة حكومية
صغرت أم كبرت، من مسجد يذكر فيه اسم الله
وثمة ملايين يذكرونه.
وبمثل الإسلام تكون المسيحية في بلادنا
كنائس تمتلئ بالمصلين وأناجيل توزع بالملايين
وخطب وعظات وقصص ومعجزات
يظهر معها المسيحيون وكأنهم تلاميذ مباشرون ليسوع المسيح.
** دين في كل مكان
متدينون بلا حدود
لكن حقائق الحياة وحالة الأخلاق شيء آخر
وكما قال الشاعر:
هذا الزحام لا أحد.
إن مشكلة الأسعار وحدها
وتعامل ملايين المؤمنين في بلاد السبعة آلاف عام
تبعث علي الغثيان..
احتكار واحتقار..
فساد في كل مكان
ومفسدون بلا حدود..
انتصر الحرام علي الحلال
وغلب الرياء مظاهر الدين
وأطاح الجشع بما قاله الله
وما قاله الرسول.
* يا ويل بلادنا من ربيع الدين وخريف الضمير.