إسـتـعـمـل ـآ‘لـطـعـم ـآ‘لـمـنـاسـب
الناس بطبيعتهم يتفقون فى أشياء كلهم يحبونها ويفرحون بها ، ويتفقون فى أشياء أخري كلهم يكرهونها ويختلفون فى أشياء منهم من يفرح بها ومنهم من يستثقلها فكل الناس يحبون التبسم فى وجوههم ويكرهون العبوس والكآبة لكنهم إلي جانب ذلك منهم من يحب المرح والمزاح- ومنهم من يستقله ومنهم من يحب أن يزوره الناس ويدعونه ومنهم الإنطوائي ومنهم من يحب الأحاديث وكثرة الكلام ومنهم من يبغض ذلك وكل واحد فى الغالب يرتاح لمن وافق طباعه فلماذا لا توافق طباع الجميع عند مجالستهم وتعامل كل واحد بما يصلح له ليرتاح إليك ...
ذكروا أن رجلا ً رأي صقراً بجانب غراب !! فعجب .. كيف يطير ملك الطيور مع غراب !! فجزم أن بينهما شيئاً مشتركاً دعلهما يتوافقان فجعل يتبعهما ببصره حتي تعبا من الطيران فحطا علي الأرض فإذا كلاهما أعرج .!!
فإذا علم الولد أن أباه يؤثر السكوت ولا يحب كثرة الكلام فليتعامل معه بمثل ذلك ليحبه ويأنس بقربه وإذا علمت الزوجة أن زوجها يحب المزاح فلتمازحه .
فإن علمت أنه ضد ذلك فلتتجنب وقل مثل ذلك عن تعامل الشخص مع زملائه أو جيرانه أو إخوانه لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم طبائع لست تحصيهن ألوان ..
أذكر أن عجوزا ً صالحة وهي أم لأحد الأصدقاء كانت تمدح أحد أولادها كثيراً وترتاح إذا زارها أو تحدث معها مع أن بقية أولادها يبرونها بها ويحسنون إليها لكن قلبها مقبل علي ذلك الولد كنت أبحث عن السر حتي جلست معه مرة فسألته عن ذلك فقال لي : المشكلة أن إخواني لا يعرفون طبيعة أمي فإذا جلسوا معها صاروا عليها ثقلاء .. فقلت له مداعباً : وهل إكتشفت معاليكم طبيعتها .؟ ضحك صاحبي وقال : نعم سأخبرك بالسر .. أمي كبقية العجائز تحب الحديث حول النساء وأخبار من تزوجت وطلقت وكم عدد أبناء فلانة وأيهم اكبر ومتي تزوج فلان فلانة .؟ وما إسم أول أولادهما إلي غير ذلك من الأحاديث التي أعتبرها أنا غير مفيدة لكنها تجد سعادتها فى تكرارها وتشعر بقيمة المعلومات التي تذكرها لأننا لن نقرأها فى كتاب ولن نسمعها فى شريط ولا تجدها قطعاً علي الإنترنت !!
فتشعر أمي وأنا أسألها عنها أنها تأتي بما لم يأت به الأولون فتفرح وتنبسط فإذا جالستها حركت فيها هذلونها بأخباه المواضيع فابتهجت ومضي الوقت وهي تتحدث وإخواني لا يتحملون سماع هذه الأخبار فيشغلونها بأخبار تهمها وبالتالي تستثقل مجلسهم وتفرح بي !! هذا كل ما هنالك ...
نعم .. أنت إذا عرفت طبيعة من أمامك وماذا يحب وماذا يكره استطعت أن تأسر قلبه ومن تأمل فى تعامل النبي صلي الله عليه وسلم مع الناس وجد أنه كان يعامل كل شخص بما يتناسب مع طبيعته فى تعامله مع زوجاته كان يعامل كل واحدة بالأسلوب الذي يصلح لها ..
عائشة رضي الله عنها كانت شخصيتها انفتاحيه فكان يمزح معها ويلاطفها ذهبت معه مرة فى سفر فلما قفلوا راجعين واقتربوا من المدينة قال صلي الله عليه وسلم للناس :" تقدموا عنا "..فتقدم الناس عنه حتي بقي مع عائشة وكانت جارية حديثة السن نشيطة البدن فالتفت إليها وقال :" تعالي حتي أسابقك " ..فسابقته وركضت وركضت حتي سبقته ..
وبعدها بزمان خرجت معه فى سفر بعدما كبرت وسمنت وحملت اللحم وبدنت فقال صلي الله عليه وسلم للناس :" تقدموا " فتقدموا ..ثم قال لعائشة :" تعالي حتي أسابقك " ..فسابقته فسبقها فلما رأي ذلك جعل يمازحها ويضرب بين كتفيها ويقول :" هذه بتلك .. هذه بتلك " ..
بينما كان يتعامل مع خديجة رضي الله عنها تعاملاً آخر فقد كانت تكبره فى السن بخمسة عشرة سنه حتي مع أصحابه كان يراعي ذلك فلم يلبس أبا هريرة عباءة خالد ولم يعامل أبا بكر كما يعامل طلحة وكان يتعامل مع عمر تعاملاً خاصة ويسند إليه أشياء ات يسندها إلي غيره ..
انظر إليه صلي الله عليه وسلم وقد خرج مع أصحابه إلي بدر فلما سمع بخروج قريش عرف أن رجالاً من قريش سيحضرون إلي ساحة المعركة كرهاً ولن يقع منهم قتال علي المسلمين ..
فقام صلي الله عليه وسلم في أصحابه وقال :" إني قد عرفت رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله من لقي أبا البختري بن هشام فلا يقتله ، ومن لقي العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله صلي الله عليه وسلم فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرهاً " ..
وقيل : إن العباس كان مسلماً يكتم إسلامه وينقل أخبار قريش إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فلم يحب النبي صلي الله عليه وسلم أن يقتله المسلمون ولم يحب كذلك أن يظهر أمر إسلامه كانت هذه المعركة أو معركة تقوم بين الفريقين المسلمين وكفار قريش وكانت نفوس المسلمين مشدودة فهم لم يستعدوا لقتال وسيقاتلون أقرباء وابناء وآباء وهذا رسول الله صلي الله عليه وسلم يمنعهم من قتل البعض ..
وكان عتبه بن ربيعة من كبار كفار قريش .. ومن قادة الحرب وكان ابنه أبو حذيفة بن عتبه بن ربيعه مع المسلمين فلم يصبر أبو حذيفة ..
بل قال : أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس !! والله لئن لقيته لألحمنه = أو لألجمنه بالسيف فبلغت كلمته رسول الله صلي الله عليه وسلم فالتفت النبي عليه الصلاة والسلام فإذا حوله اكثر من ثلاثمائة بطل .
فوجه نظره فوراً إلي عمر ولم يلتفت إلي غيره وقال : يا أبا حفص :" أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف .؟! " قال عمر : والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم بأبي حفص وكان عمر رهن إشارة النبي صلي الله عليه وسلم ويعلم أنهم فى ساحة قتال لا مجال فيها للتاسهل فى التعامل مع من يخالف أمر القائد أو يعترض أمام الجيش فاختار عمر حلاً صارماً فقال : يارسول الله صلي الله عليه وسلم دعني فلأضرب عنقه بالسيف فمنعه النبي صلي الله عليه وسلم ورأي أن هذا التهديد كافٍ في تهدئة الوضع ..
كان أبو حذيفة رضي الله عنه رجلاً صالحاً .. فكان بعدها يقول : ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيداً رضي الله عنه ...
هذا عمر رضي الله عنه كان صلي الله عليه وسلم يعلم بنوع الأعمال التي يسندها إليه فليس الأمر متعلقاً بجميع صدقات .. ولا بإصلاح متخاصمين ولا بتعليم جاهل وإنما هم فى ساحة قتال فكانت الحاجة إلي الرجل الحازم المهيب أكثر منها إلي غيره لذا اختار عمر واستثاره :" أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف .؟" ..
وفى موقف آخر يقبل النبي صلي الله عليه وسلم علي خيبر ويقاتل أهلها قتالاً يسيراً ثم يصالحهم ويدخلها واشترط عليهم ألا يكتموا شيئاً من الأموال يغيبوا شيئاً ولا يخبئوا ذهباً ولا فضة بل يظهرون ذلك كله ويحكم فيه وتوعدهم إن كتموا شيئاً أن لا ذمة لهم ولا عهد ..
وكان حيي بن أخطب من رءوسهم وكان جاء من المدينة بجلد تيس مدبوغ ومخيط ومملوء ذهباً وحلياً .. وقد مات حيي وترك المال فخبئوه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال صلي الله عليه وسلم لعم حيي بن أخطب :" ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير .؟" أي الجلد المملوء ذهباً ..
فقال : أذهبته النفقات والحروب فتفكر صلي الله عليه وسلم فى الجواب فإذا موت حيي قريب والمال كثير ولم تقع حروب قريبة تضطرهم إلي إنفاقه ، فقال صلي الله عليه وسلم :" العهد قريب والمال أكثر من ذلك " فقال اليهودي : المال والحلي قد ذهب كله فعلم النبي صلي الله عليه وسلم أنه يكذب فنظر صلي الله عليه وسلم إلي أصحابه فإذا هم كثير بين يديه وكلهم رهن إشارته فالتفت إلي الزبير بن العوام وقال :" يازبير .! مسه بعذاب " فأقبل إليه الزبير متوقداً فانتفض اليهودي وعلم أن الأمر جد فقال : قد رأيت حيياً يطوف فى خربة هاهنا وأشار إلي بيت قديم خراب ..فذهبوا فطافوا فوجدوا المال مخبئاً فى الخربة ..
هذا فى حاله صلي الله عليه وسلم مع الزبير .. يعطي القوس باريها ..
وكان الصحابة يتعامل بعضهم مع بعض علي هذا الأساس ..
لما مرض رسول الله صلي الله عليه وسلم مرض الموت واشتد عليه الوجع لم يستطع القيام ليصلي بالناس فقال صلي الله عليه وسلم وهو علي فراشه :" مروا أبا بكر فليصل بالناس " . وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً وهو صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم فى حياته وبعد مماته وهو صديقه فى الجاهلية والإسلام وهو أبو زوجة النبي صلي الله عليه وسلم عائشة وهو كان يحمل فى صدره جبلاً من الحزن بسبب مرض النبي صلي الله عليه وسلم فلما أمر النبي صلي الله عليه وسلم أن يبلغوا أبا بكر ليصلي بالناس قال بعض الحاضرين عند النبي صلي الله عليه وسلم أن أبا بكر رجل أسيف أي رقيق إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس أي : من شدة التأثر والبكاء خاصة فى هذا الموطن لكنه صلي الله عليه وسلم كان يشير إلي أحقية أبي بكر بالخلافة من بعده يعني : إذا أنا غير موجود فأبو بكر يتولي المسئولية .. فأعاد صلي الله عليه وسلم الأمر : مروا أبا بكر ، فليصل بالناس . حتي صلي أبو بكر ومع رقة أبي بكر إلا أنه كان ذا هيبة وله حدة غضب أحياناً تكسوه جلالاً ..
وكان رقيق دربه عمر رضي الله عنه يراعي ذلك منه انظر إليهم جميعاً رضي الله عنهم وقد اتمعوا فى شقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ليتفقوا علي خليفة اجتمع المهاجرون والأنصار وانطلق عمر إلي أبي بكر واصطحبا إلي السقيفة ..
قال عمر : فأتيناهم علي سقيفة بني ساعدة فلما جلسنا تشهد خطيب الأنصار وأنثي علي الله بما هو له أهل ، ثم قال : أما بعد ; فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وانتم يامعشر المهاجرين رهط منا وقد دفت دافة من قومك وإذا هم يريدون أن يجتازونا من أصلنا ويغضبونا الأمر ..
فلما سكت أردت وقد زورت فى نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر .. وكنت أداري منه بعض الحدة ..
فقال أبو بكر : علي رسلك ياعمر .. فكرهت أن أغضبه ..
فتكلم وهو كان اعلم مني وأوقر فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها فى بديهته أو قال مثلها أو أفضل منها حتي سكت ..
قال أبو بكر : أما ما ذكرتم فيكم خير فأنتم له أهل ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم .
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا .
ولم أكره شيئاً مما قاله غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلي إثم أحب إلي من ان أتأمر علي قوم فيهم أبو بكر .
سكت الناس .. فقال قائل من الأنصار : أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يامعشر قريش .
قال عمر : فكثر الغلط وارتفعت الأصوات حتي تخوفت الإختلاف .
فقلت : أبسط يديك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ثم بايعه المهاجرون ثم بايعه الأنصار ..
نعم .. كل واحد من الناس له مفتاح تستطيع به فتح أبواب قلبه وكسب محبته والتأثير عليه وهذا تلاحظه فى حياة الناس ..
أفلم تسمع زملاء عملك يوماً يقولون : المدير مفتاحه فلان إذا أردتم شيئاً فاجعلوا فلاناً يطلبه لكم أو يقنع المدير به ..
فلماذا لا تجعل مهاراتك مفاتيح لقلوب الناس فتكون رأساً لا ذيلاً .؟! نعم كن متميزاً وابحث عن مفتاح قلب أمك و أبيك وزوجتك وولدك أعرف مفتاح قلب مديرك فى العمل زملائك ومعرفة هذه المفاتيح تفيدنا حتي فى جعلهم يتقبلون النصح الذي يصدر منا لهم إذا أحسنا تقدير هذا النصح بأسلوب مناسب فهم ليسوا سواء فى طريقة النصح بل حتي فى إنكار الخطأ إذا وقع منهم ..
وانظر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد جلس يوماً فى مجلسه المبارك يحدث أصحابه فبينما هم علي ذلك فإذا برجل يدخل الي المسجد يتلفت يميناً ويساراً .. فبدل أن يأتي ويجلس فى حلقة النبي صلي الله عليه وسلم توجه إلي زاوية من زوايا المسجد .. ثم جعل يحرك إزاره !! عجباً !! ماذا سيفعل ؟!
رفع طرف إزاره من الأمام ثم جلس بكل هدوء .. يبول .!!
عجب الصحابة وثاروا يبول فى المسجد !! وجعلوا يتقافزون ليتوجهوا إليه والنبي صلي الله عليه وسلم يهدئهم ويسكن غضبهم ويردد :" لا تزرموه " لا تعجلوا عليه .. لا تقطعوا عليه بوله والصحابة يلتفتون إليه .. وهو لعله لم يدر عنهم لا يزال يبول ..
والنبي صلي الله عليه وسلم يري هذا المنظر .. بول فى المسجد .. ويهدئ أصحابه !! آآآه ما أحلمه !! حتي إذا انتهي الأعرابي من بوله وقام يشد علي وسطه إزاره دعاه النبي صلي الله عليه وسلم بكل رفق أقبل يمشي حتي إذا وقف بين يديه ..
قال له صلي الله عليه وسلم بكل رفق :" إن هذه المساجد لم تبن لهذا وإنما بنيت للصلاة وقراءة القرآن " ..انتهي .. نصيحة بإختصار فهم الرجل ذلك ومضي فلما جاء وقت الصلاة أقبل ذلك الإعرابي وصلي معهم ..
كبر النبي صلي الله عليه وسلم بأصحابه مصلياً فقرأ ثم ركع .. فلما رفع النبي صلي الله عليه وسلم من ركوعه قال :" سمع الله لمن حمده "
فقال المأمومون : ربنا ولك الحمد .. إلا هذا الرجل قالها وزاد بعدها : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً !! وسمعه النبي صلي الله عليه وسلم فلما انتهت الصلاة التفت صلي الله عليه وسلم وسألهم عن القائل فأشاروا إليه فناداه النبي صلي الله عليه وسلم فلما وقف بين يديه فإذا هو الأعرابي نفسه وقد تمكن حب النبي صلي الله عليه وسلم من قلبه حتي ود لو أن الرحمة تصيبهما دون غيرهما ..فقال له النبي صلي الله عليه وسلم معلماً :" لقد تحجرت واسعاً ..!! " أي : أن رحمة الله تعالي تسعنا جميعاً وتسع الناس فلا تضيقها علي وعليك فانظر كيف ملك عليه قلبه .. لانه عرف كيف يتصرف معه فهو أعرابي أقبل من باديته لم يبلغ من العلم رتبة أبي بكر وعمر ولا معاذ وعمار فلا يؤاخذ كغيره .
وإن شئت فانظر أيضاً إلي معاوية بن الحكم رضي الله عنه كان من عامة الصحابة لم يكن يسكن المدينة ولم يكن مجالساً للنبي صلي الله عليه وسلم وإنما كان له غنم فى الصحراء يتتبع بها الخضراء ..أقبل معاوية يوماً إلي المدينة فدخل المسجد وجلس إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه فسمعه يتكلم عن العطاس ..
وكان مما علم أصحابه أن إذا سمع المسلم أخاه عطس .. فحمد الله فإنه يقول له : يرحمك الله .. حفظها معاوية .. وذهب بها .. وبعد أيام جاء إلي المدينة فى حاجة .. فدخل المسجد فإذا النبي عليه الصلاة والسلام يصلي بأصحابه .. فدخل معهم فى الصلاة ..
فبينما علي ذلك إذ عطس رجل من المصلين فما كاد يحمج الله حتي تذكر معاوية أنه تعلم أن المسلم إذا عطس، فقال : الحمدلله .. فإن أخاه يقول له : يرحمك الله .. فبادر معاوية العاطس قائلاً بصوت عالٍ : يرحمك الله .!!
فاضطرب المصلون وجعلوا يتلفتون إليه منكرين فلما رأي دهشتهم اضطرب وقال : واثكل أمياه !! ما شأنكم تنظرون إلي .؟
فجعلوا يضربون بأيديهم علي أفخاذهم ليسكت فلما رآهم يصمتونه صمت فلما انتهت الصلاة التفت صلي الله عليه وسلم إلي الناس وقد سمع جلبتهم وأصواتهم وسمع صوت من تكلم ..
لكنه صوت جديد لم يعتد عليه فلم يعرفه فسألهم :" من المتكلم " فأشاروا إلي معاوية .. فدعاه النبي صلي الله عليه وسلم إليه فأقبل عليه معاوية فزعاً لا يدري بماذا سيستقبله وهو الذي أشغلهم فى صلاتهم وقطع عليهم خشوعهم .
قال معاوية رضي الله عنه فبأبي هو وامي صلي الله عليه وسلم والله ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه والله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ..
وإنما قال :" يامعاوية إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " انتهي نصيحة بإختصار ..
ففهمها معاوية ثم ارتاحت نفسه واطمأن قلبه فجعل يسأل النبي عليه الصلاة والسلام عن خواص أموره فقال : يارسول الله إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام وإن منا رجالاً يأتون الكهان "وهم الذين يدعون علم الغيب "..يعني : فيسألهم عن الغيب .. فقال صلي الله عليه وسلم :" فلا تأتهم يعني : لأنك مسلم والغيب لا يعلمه إلا الله " قال معاوية : ومنا رجال يتطيرون " أي : يتشاءمون بالنظر إلي الطير " فقال صلي الله عليه وسلم :" ذلك شئ يجدونه في صدورهم فلا يصدنهم " أي : لا يمنعهم ذلك عن وجهتهم .. فإن ذلك لا يؤثر نفعاً ولا ضراً .
هذا تعامله صلي الله عليه وسلم مع أعرابي بال فى المسجد ورجل تكلم فى الصلاة عاملهم مراعياً أحوالهم .. لأن الخطأ من مثلهم لا يستغرب ..
أما معاذ بن جبل رضي الله عنه فقد كان أقرب الصحابة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم ومن أكثرهم حرصاً علي طلب العلم ..
فكان تعامل النبي صلي الله عليه وسلم مع أخطائه مختلفاً عن تعامله مع أخطاء غيره كان معاذ يصلي مع رسول الله صلي الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع فيصلي بقومه العشاء إماماً بهم فى مسجدهم .. فتكون الصلاة له نافلة ولهم فريضة ..
رجع معاذ ذات ليلة لقومه ودخل مسجدهم فكبر مصلياً بهم .. أقبل فتي من قومه ودخل معه فى الصلاة فلما أتم معاذ الفاتحة قال :"ولا الضالين " .. فقالوا : آمين ثم افتتح معاذ سورة البقرة !!كان الناس فى تلك الأيام يتعبون فى العمل فى مزارعهم ورعي دوابهم طوال النهار .. ثم لا يكادون يصلون العشاء حتي يأوون إلي فرشهم ..
هذا الشاب وقف فى الصلاة ومعاذ يقرأ ويقرأ فلما طالت الصلاة علي الفتي اتم صلاته وحده وخرج من المسجد وانطلق إلي بيته ..
انتهي معاذ من الصلاة ..فقال له بعض القوم : يامعاذ فلان دخل معنا فى الصلاة ثم خرج منها لما أطلت فغضب معاذ وقال : إن هذا به نفاق لأخبرن الرسول صلي الله عليه وسلم بالذي صنع ..
فأبلغوا ذلك الشاب بكلام معاذ فقال الفتي : وأنا لأخبرن رسول الله صلي الله عليه وسلم بالذي صنع .. فغدوا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم فأخبره معاذ بالذي صنع الفتي ..
فقال الفتي: يارسول الله يطيل المكث عندك ثم يرجع فيطيل علينا الصلاة والله يارسول الله إنا لنتاخر عن صلاة العشاء مما يطول بنا معاذ ..
فسأل النبي صلي الله عليه وسلم معاذاً :" ماذا تقرأ .؟!" فإذا بمعاذ يخبره أنه يقرأ بالبقرة وجعل يعدد السور الطوال فغضب النبي صلي الله عليه وسلم لما علم أن الناس يتأخرون عن الصلاة بسبب الإطالة .. وكيف صارت الصلاة تقيلة عليهم فالتفت إلي معاذ وقال :" أفتان أنت يامعاذ .؟!" يعني تريد أن تفتن الناس وتبغضهم فى دينهم . اقرأ ب " السماء والطارق " " والسماء ذات البروج " " والشمس وضحاها" والليل إذا يغشي " ثم التفت صلي الله عليه وسلم إلي الفتي وقال له متلطفاً :"كيف تصنع أنت يابن أخي إذا صليت.؟ " قال : اقرأ ب " فاتحة الكتاب " وأسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ..
ثم تذكر الفتي أنه يري النبي صلي الله عليه وسلم يدعو ويكثر ويري معاذاً كذلك فقال فى آخر كلامه : وإني لا أدري ما دندنتك ودندنة معاذ .. أي : دعاؤكما الطويل لا أعرف مثله !! ..
فقال صلي الله عليه وسلم :" إني ومعاذ حول هاتين ندندن " يعني : دعاؤنا هو فيما تدعو به حول الجنة والنار ...
كان الشاب متأثراً من اتهام معاذ له بالنفاق ، فقال : ولكن سيعلم معاذ إذا قدم القوم وقد خبروا أن العدو قد أتوا ما أصنع ، يعني : فى الجهاد فى سبيل الله سيتبين لمعاذ إيماني وهو الذي يصفني بالنفاق ..!!
فما لبثوا اياماً حتي قامت معركة فقاتل فيها الشاب فاستشهد رضي الله عنه فلما علم به صلي الله عليه وسلم قال لمعاذ :" ما فعل خصمي وخصمك .؟ " ..يعني : الذي اتهمته يامعاذ بالنفاق قال معاذ : يارسول الله صدق الله وكذبت لقد استشهد ..
فتأمل الفرق فى طبائع الرجال ومقاماتهم وكيف أدي إلي إختلف تعامل النبي صلي الله معهم بل انظر إلي تعامله صلي الله عليه وسلم مع أسامة بن زيد وهو حبيب رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد تربي في بيته ..بعث النبي صلي الله عليه وسلم أصحابه إلي الحرقات من قبيلة جهينة وكان أسامة بن زيد رضي الله عنهما من ضمن المقاتلين بالجيش
ابتدأ القتال فى الصباح انتصر المسلمون وهرب مقاتلو العدو كان من بين جيش العدو رجل يقاتل فلما رأي أصحابه منهزمين ألقي سلاحه وهرب فلحقه أسامه بن زيد ومعه رجل من الأنصار ركض الرجل وركضوا خلفه وهو يشتد فزعاً حتي عرضت لهم شجرة فاحتمي الرجل بها ..
فأحاط به أسامة والأنصاري ورفعا عليه السيف فلما رأي الرجل السيفين يلتمعان فوق رأسه واحس الموت يهجم عليه انتفض وجعل يجمع ماتبقي من ريقه فى فمه ويردد فزعاً : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله تحير الأنصاري وأسامة هل أسلم الرجل فعلا أم أنها حيلة افتعلها كانوا فى ساحة قتال والأمور مضطربة يتلفتون حولهم فلا يرون إلا أجساداً ممزقة وأيدي مقطعه قد اختلط بعضها ببعض الدماء تسيل النفوس ترتجف الرجل بين أيديهما ينظر إليه لابد من الإسراع باتخاذ القرار ..ففي أي لحظة قد يأتي سهم طائش أو غير طائش فيريديهما قتيلين ..
لم يكن هناك مجال للتفكير الهادئ فأما الأنصاري فكف سيفه وأما أسامة فظن أنها حيلة فضربه بالسيف حتي قتله عادوا إلي المدينة تداعب قلوبهم نشوة الإنتصار ..
وقف أسامة بين يدي النبي صلي الله عليه وسلم وحكي له قصة المعركة واخبره بخبر الرجل وما كان منه ..
كانت قصة المعركة تحكي انتصاراً للمسلمين وكان صلي الله عليه وسلم يستمع مبتهجاً لكن أسامة قال : ثم قتلته ..
فتغير النبي صلي الله عليه وسلم .. وقال " لا إله إلا الله .. ثم قتلته " .؟!
قال : يارسول الله لم يقلها من قبل نفسه إنما قالها فرقاً من السلاح ..
فقال صلي الله عليه وسلم : لا إله إلا لله ثم قتلته .؟! هلا شققت عن قلبه حتي تعلم أنه إنما قالها فرقاً من السلاح " ..
وجعل يحد بصره إلي أسامه ويكرر : قال لا إله إلا الله ثم قتلته .؟ قال : لا إله إلا الله .. ثم قتلته .؟ .! ثم قتلته .؟! كيف لك ب لا إله إلا الله إذا جاءت تحاجك يوم القيامة .؟
ومازال صلي الله عليه وسلم يكرر ذلك علي أسامة
قال أسامة : فما زال يكررها علي حتي وددت أني لم أكن أسلمت إلا يؤمئذ ...
- رٍـرٍـرٍأي :- لا تحسب الناس نوعاً واحداً ...فلهم طبائع لست تحصيهن ألواناً ..
يـتـبـع بـإذن الله ......