فضل العمل على طاعة الله وقت غفلة الناس اعلم أخي الكريم وأختي الفاضلة ... أن العمل على طاعة الله وقت غفلة الناس له فوائد منها:-
1. أنه أعظم للأجر:
فالعبادة في وقت غفلة الناس أشق على النفس، وأعظم الأعمال وأفضلها أشقها
على النفس، وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بمن حولها فإذا كثرت يقظة الناس
وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعات، وإذا كثرت
الغفلات وأهلها تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة
من يقتدون بهم فيها " (لطائف المعارف صـ
183)
ولهذا المعنى قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وأبو داود من حديث أبي ثعلبة الخشني:
" للعامل منهم أجر خمسين منكم، إنكم تجدون على الخير أعواناً ولا يجدون"
وعند الطبراني في المعجم الكبير بسند صحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن من ورائكم زمان صبر،
للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً منكم"
وفي رواية:" للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم، قيل: يا
رسول الله صلى الله عليه وسلم أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين
منكم."
فتضاعف أجر الذين يتفردون بطاعة الله في وقت لا يجدون فيه معين، وتكثر فيه
الغفلة، ويعم البلاء، ويكثر الفساد، فهؤلاء الغرباء الذين دعا لهم النبي
صلى الله عليه وسلم فقال كما عند الإمام مسلم وأحمد:
" بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء " ـ وفي
رواية:" قيل ومن الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس" ـ وفي رواية:"
يصلحون ما أفسد الناس "
(السلسلة الصحيحة: 1273)
وفي صحيح مسلم من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" العبادة في الهرج كالهجرة إليّ"
وعند أحمد بلفظ: " العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ"
وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دين، فيكون
حالهم شبيهاً بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه، ويعبد
ربه، ويتبع مراضيه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر من بين أهل الجاهلية
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به متبعاً لأوامره، مجتنباً
لنواهيه".
( لطائف المعارف صـ 184)
2. ومن فوائد العمل وقت غفلة الناس أنه يدفع البلاء:
يقول ابن رجب في "لطائف المعارف":
" إن المنفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يُدفع به البلاء عن الناس
كلهم، فكأنه (أي المنفرد بالطاعة في وقت الغفلة ) يحميهم ويدافع عنه.
وقد قيل في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ } (البقرة: 251)
أنه يدخل فيها دفعه عن العصاة بأهل الطاعة.
وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:" يدفع الله مَن لا يُصلِّي بمَن يُصلِّي "
وهناك جملة من الآثار تشهد لهذا المعنى، ذكرها ابن رجب ـ رحمه الله ـ في "لطائف المعارف" صـ 84، 85، لكن لا تخلو من مقال منها:
ما جاء في الأثر: " إن الله يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله"
وفي بعض الآثار يقول الله عز وجل أحب العباد إليَّ المتحابون بجلالي،
المشَّاءون في الأرض بالنصيحة، الماشون على أقدامهم للجُمُعات، المتعلقة
قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالأسحار، فإذا أردت إنزال عذاب بأهل الأرض،
فنظرت إليهم صرفت العذاب عن الناس"
وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي بسند فيه مقال عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ذاكر الله في الغافلين كالذي يُقاتل عن
الفارِّين، ومَن يحج عمن لا يحج، وبمَن يُزكِّي عمَّن لا يُزكِّي "
وأخرج الطبراني في الكبير والبيهقى والبزار بسند فيه مقال عن أبي هريرة
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" مهلاً عن الله مهلاً فلولا
عباد ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع ؛ لصب عليكم العذاب صباً."
وقال بعضهم:
لولا عِبـاد للإله رُكَّـع
وصبية من اليتـامى رُضَّع
ومهملات من الفلاةِ رُتَّع
صب عليكم العذاب الموجع
ويشهد لهذا المعنى أحاديث صحيحة منها:-
· ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لقد هممت أن آمر رجلاً يُصلي بالناس، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها(أي عن الصلاة)، فآمر بهم فيحرقوا عليهم بيوتهم "
زاد الإمام أحمد:" لولا ما في البيوت من النساء والذرية "
فالنساء والأطفال كانوا سبباً في دفع العذاب عن هؤلاء الرجال.
· وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ:
" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً فجاءت عير من الشام، فانتقل
الناس إليها حتى لم يبق معه إلا اثنى عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية التي في
سورة الجمعة:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا
وَتَرَكُوكَ قَائِماً} (الجمعة:11)"
وقال النبي صلى الله عليه وسلم عندما بقي معه اثنا عشر رجلاً منهم أبو بكر وعمر، فقال فيما معناه:
" والله لو خرجتم جميعاً لصبَّ الله عليكم هذا الوادي ناراً"
ـ فدفع الله العذاب بهؤلاء الذين جلسوا مع النبي صلى الله عليه وسلم
ورأى أحد السلف في منامه من ينشد ويقول:
لولا الذين لهم ورد يصـلونـا
وآخرون لهم سرد يصومونا
لدكدكت أرضكم من تحتكم سحراً
لأنكم قوم سوءٍ ما تطيعونـا
· ويشهد لهذا المعنى أيضاً ما أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي موسى الأشعري
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أصحابي أمنة لأمتي، فإذا
ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون "
ومعنى الحديث: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الأمان للأمة، ومن بعدهم
كذلك، كلما كان فيهم صالح من الصالحين إذ بالله تعالى يجعله أمنة لهم
وحفظاً لهم بما يقدم لله تعالى من العمل الصالح، من ذكر ودعاء وصيام وقيام
وصلاة ونصح للمسلمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي في مصالح
المسلمين، والقيام على ما يصلح شئونهم، والدعوة إلى الله... وغير ذلك مما
يكون سبب في دفع البلاء عن المؤمنين، وصدق ربنا تعالى حيث قال: {وَلَوْلاَ
دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ
وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } (البقرة: 251)
شـعـبــان والمـنـحـة الـربــانـيـة
في الحديث الذي أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث محمد بن مسلمة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة، لا يشقى بعدها أبداً "
فمن هذه النفحات الربانية على الأمة المحمدية ( ليلة النصف من شعبان) وما أعظمها من ليلة ؟!
فقد أخرج ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان والطبراني في المعجم الكبير
والأوسط، وابن أبي عاصم في كتاب السنة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لجميع خلقه،
إلا لمشرك أو مشاحن " ([1])
(السلسلة الصحيحة جـ 3 / 1144)
ـ مشاحن: أي مخاصم لمسلم أو مهاجر له.
أخرج ابن ماجة من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان ؛ فيغفر لجميع خلقه، إلا
لمشرك أو مشاحن"
(صحيح الجامع: 1819)
وأخرج البزار في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا كان ليلة النصف من شعبان؛ يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن"(السلسلة الصحيحة:جـ 3)
وأخرج البيهقى في شعب الإيمان، والطبراني في الكبير، وحسنة الألباني من
حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا كان ليلة النصف من شعبان، اطَّلع الله إلى خلقه ؛ فيغفر للمؤمنين،
ويُملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه"
( صحيح الجامع: 771)
وعند البيهقي بسند صحيح عن كثير بن مُرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" في ليلة النصف من شعبان يغفر الله عز وجل لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن"
ولا يفوز بهذه الجائزة العظيمة، والمنحة الربانية الجليلة إلا لمن خلُص توحيده من الشرك، وخلُص صدره من الشحناء والغل والحسد.
ـ فكل منا ينظر إلى حال نفسه، فمن كانت فيه إحدى هاتين الآفتين أو كلتيهما ؛
فليتخلص منهما الآن قبل ليلة النصف من شعبان، فليتخلص من الشرك، وليخلص
التوحيد ويفرد الله بالعبادة، وليتخلص من الشحناء وليخلص قلبه ليصبح سليم
الصدر.
فالشرك والشحناء من الذنوب المانعة من المغفرة في هذا الشهر، وفي غيره.
فعليك أخي الكريم وأختي الفاضلة ... أن تتخلص من الشرك
فهو من أعظم الذنوب عند الله تعالى، وكذا قتل النفس والزنا،
وهذه الثلاثة من أعظم الذنوب عند الله
كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
"أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً
وهو خلقك، قال: ثم أي ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قال: ثم أي ؟
قال: أن تزاني حليلة جارك، فأنزل الله تعالى تصديق ذلك: { وَالَّذِينَ لَا
يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي
حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ
يَلْقَ أَثَاماً{68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} (الفرقان: 68-69) "
· فالـشـرك: هو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله إذا مات صاحبه عليه
كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ... } (النساء: 48 ، 116)
بل سيكون عقاب المشرك الحرمان من الجنة، ويغضب عليه الجبار، ويدخله النار،
كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ
عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
أَنصَارٍ} ( المائدة: 72)
وقد كثر الشرك وعمَّ وطمَّ، فتعلق البعض بالأنداد والشركاء، وتعلق قلبه بغير الله.
فطاف بالقبور ودعا المقبور ونذر له واستعان به، وخاف منه، وتوكل عليه، واستغاث به
ومن صور الشرك: الحلف بغير الله ( وهو شرك أصغر)
ومن صور الشرك في هذا الزمان: الطيرة: وهو ما يعرف بالتشاؤم، ولبس الحظاظة،
والخرزة الزرقاء، وقرن الفلفل الأحمر، والخمسة وخميسة، وحدوة الحصان،
ونجمة البحر، وتعليق الحذاء على السيارات، ورش الملح في المناسبات... وغير
ذلك من الشِِرْكيات التي لا ترضي رب الأرض والسماوات.
فمن تخلص من الشرك وأخْلص توحيده لله، فاز بجوائز عديدة منها:
1. الفوز بالمغفرة ليلة النصف من شعبان.
2. يبدل الله سيئاته حسنات، كما قال تعالى:
{إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ
يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً
رَّحِيماً } (الفرقان:70)
3. يغفر الله له ذنوبه مهما كانت، طالما أنه لا يشرك بالله شيئاً.
كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ... } (النساء: 48 ، 116)
وكما في الحديث القدسي الذي أخرجه الترمذي: "يا ابن آدم، لو آتيتني بقراب
(1) الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تُشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرة"
(1) قراب الأرض: أي ما يقارب ملء الأرض.
وإخلاص التوحيد، ونبذ الشرك من الأمور المهمة، بل هي أهم الأمور، وقد
أُفْرِدت لها المجلدات، وتناولها العلماء بالشرح والتحليل، ولا يتسع المقام
هنا للكلام عن هذا الموضوع المهم، إنما هذه فقط إشارات لبيان أهمية الأمر.
· أما الشحناء
وهي حقد المسلم على أخيه المسلم بغضاً له ولهوى نفسه. فعلى الإنسان أن
يتخلص منها، فهي المانعة من المغفرة، ليس في ليلة النصف من شعبان فقط، بل
في جميع أوقات المغفرة والرحمة.
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس،
فيُغْفَر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه
شحناء، فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا"
أخرج ابن ماجة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
" كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم الاثنين والخميس، فقيل له: يا رسول
الله. إنك تصوم الاثنين والخميس، فقال: إن يوم الاثنين والخميس يغفِر الله
فيهما لكل مسلم إلا من مهتجرين، فيقول: دعوهما حتى يصطلحا."
وعند الإمام أحمد بلفظ:" كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس، فقيل له: (أي
سُئل في ذلك) قال: إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس، فيغفر لكل مسلم ـ أو
لكل مؤمن ـ إلا المتهاجرين، فيقول أخِّرهما".
( صحيح الجامع: 4804)
فمن لم ينزع الشحناء من صدره حتى يفوز بهذه الجائزة العظيمة في ليلة النصف
من شعبان: وهي مغفرة الرحمن، أتراه يتحصل على المغفرة في رمضان ؟! كيف وقد
فاتته في موسم الغفران.
فهيا... هيا من الآن... أخي الكريم وأختي الفاضلة ... كبِّر على الشحناء
أربع تكبيرات، اصطلِح مع مَن خاصمته، وأبدأ أنت بالسلام حتى تكون من خير
الأنام.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يحل لمسلم أن يهجُر أخاه فوق ثلاث ليالٍ، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. "
وقال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }
(فصلت:34)
فهيا... هيا صِل مَن قطعك، واعف عمَّن ظلمك، واعط من حرمك " كما وصاك النبي صلى الله عليه وسلم
هيا... هيا اعملوا بوصية رب العالمين، حيث قال في كتابه الكريم:{فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ }
(الأنفال:1)
أي: أصلحوا حقيقة ما بينكم بالمودة وترك النزاع.
هذا ما يريده منَّا رب العالمين، وأما ما يريده الشيطان اللعين، فقد أخبرنا
عنه رب العالمين فقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ
بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء} المائدة: 91)
فمَن تطيع؟! قبل أن تجيب اسمع هذا الحديث:
حديث أخرجه أبو داود وأحمد والبخاري في الأدب والترمذي من حديث أبى الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين هي الحالقة ".
هيا... هيا اعملوا بوصية الرسول الأمين.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكُونوا عباد الله إخواناً، ولا يحلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث"
فهل يتصور بعد هذا الكلام أن يكون في قلبك شحناء أو بغضاء لأحد؟!.
ـ إذا قلت مازلت أجد هذا في صدري
فأنا أوصيك بما وصَّى به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:
"ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر ـ أي حقده وحسده ـ قالوا: بلى يا رسول الله، قال صوم ثلاثة أيام من كل شهر".
ـ وإذا قلت لي: ذهب عني ما أجد وأصبحت سليم الصدر، ولا أحمل في قلبي غلاً،
ولا حقداً، ولا غشاً، ولا حسداً، ولا شحناء، ولا بغضاء لأحد... والحمد لله
فأنا أقول لك: أبشر فلقد أصبحت أفضل الناس.
فقد أخرج ابن ماجة بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال:
"قيل يا رسول الله: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان.
قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو النقي الذي لا إثم
فيه، ولا بغي ولا غل ولا حسد"
ـ مخموم القلب: طاهر القلب نظيفه.
وأبشرك وأقول لك: إن سلامة صدرك لإخوانك سبب لدخولك الجنة.
فقد أخرج الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
" كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة.
فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته(1) "من وضوئه"، وقد تعلق نعليه في يديه الشمال
فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك: فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى.
فلما كان اليوم الثالث: قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حالة الأولى
فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص (أي
تابع الرجل)، فقال: إني لاحيت أبي(2)، فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن
رأيت أن تؤويني إليك حتى تمض فعلت، قال: نعم، قال أنس: وكان عبد الله يحدث
أنه بات معه الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار
وتقلَّب على فراشه ذكر الله عز وجل حتى يقوم لصلاة الفجر.
قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً. فلما مضت الثلاث ليالٍ،
وكدت أحتقر عمله. قلت: يا عبد الله إني لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر،
ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار: يطلع عليكم
الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردت أن آوى إليك لأنظر ما
عملك فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت دعاني،
فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشاً،
ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه.، فقال عبد الله: هذه التي بلغت
بك، وهي التي لا نطيق.
(1) تنطف لحيته: يتساقط منها الماء.
(2) لاحيت أبي: أي نازعته.
فهيا أخي... هيا . اختي .. طهر قلبك وكن سليم الصدر لإخوانك لتسعد في الدنيا والآخرة، ودائماً وأبداً
ردِّدْ كما كان أسلافك يرددون:
{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا
بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا
رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }(الحشر: 10)
نسأل الله أن يُؤلِّف بين قلوب المسلمين، ولا يجعل فيها غلاً ولا حسداً، وأن يطهِّرها من الشحناء والبغضاء ... آمين.
[1])) قال الألباني ـ رحمه الله ـ كما في السلسلة الصحيحة جـ 3 تعليقاً
على هذا الحديث : "وجملة القول: إن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب،
والصحة تثبت بأقل منها عدداً، ما دامت سـالمة من الضعف الشديد كما هو
الشـأن في هذا الحديـث،
فما نقله الشيخ القـاسمي ـ رحمه الله ـ في إصلاح المساجد صـ 107 عن أهل
التعديل والتجريح: " أنه ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث لا يصح، فليس
مما ينبغي الاعتماد عليه، ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول، فإنما
أوتي من قبل التسرع، وعدم وسع الجهد ؛ لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين
يديك والله تعالى هو الموفق. أهـ .