الغضب وأثره السيء علي البدن السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ) الشورى الآية 42
وقال تعالى : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران 134
وقال تعالى وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) سورة فصلت 34
وقال تعالى : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) الفرقان الآية 63
عن أبي هريرة رضي الله عنه " أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني فقال : لا تغضب فردد مراراً فقال : لا تغضب " رواه البخاري.
وعن أبي الدرداء رضي الله قال : " قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة قال : لا تغضب " رواه الطبراني بإسناد حسن .
وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتمان الغضب فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" رواه البخاري ومسلم .
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يصطرعون فقال : " ما هذا ؟"
قالوا فلان لا يصارع أحداً إلا صرعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أفلا أدلكم على من هو أشد منه ؟
رجل كلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه"
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معاوية إياك والغضب ، فإن الغضب الإيمان كما يفسد الصبر العسل" .
وقد رفع الإسلام من أجل ذلك من مرتبة الحلم ،وجعل من كظم الغيظ وسيلة إلى التقرب إلى الله عز وجل ورفع درجات صاحبه يوم القيامة . عن معاذ بن أنس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين فيزوجه منها ما شاء "
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشج قائلاً له : " إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة " رواه مسلم .
وقد روي عن عكرمة في قوله تعالى : " وسيداً وحصوراً " قال : السيد الذي لا يغلبه الغضب .
كما روى الإمام الغزالي عن الحسن رضي الله عنه قوله : " يا ابن آدم كلما غضبت وثبت وأوشك أن تثبت وثبة فتقع في النار " .
قال الخطابي : معنى قوله [ لا تغضب ] اجتناب أسباب الغضب وألا تتعرض لما يجلبه ، وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبيعي لا يزول من الجبلة . وقال غيره: ما كان من قبيل الطبع الحيواني فلا يمكن دفعه ، وما كان من قبيل ما يكتسبه بالرياضة فهو المراد. وقيل : لا يفعل ما يأمرك به الغضب .
قال ابن البطال : يعني أن مجاهد النفس أشد من مجاهد العدو لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة
وقال ابن حيان : أراد لا تعمل عند الغضب شيئاً مما نهيت عنه . ويجمل الإمام الغزالي .
رأيه في الغضب : " فأقل الناس غضباً أعقلهم ، فإن كان للدنيا كان دهاء ، ومكراً وإن كان للآخرة كان حلماً وعلماً وقد قيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق , فقال ترك الغضب "
الآثار الصحية السيئة للغضب على البدن
إن الانفعالات الشديدة والضغوط التي يتعرض لها الإنسان كالخوف والغضب يحرض الغدة النخامية على إفراز هرمونها المحرض لإفراز كل من الإدرينالين والنور أدرينالين من قبل الغدة الكظرية ، كما تقوم الأعصاب الودية على إفراز النور أدرينالين .
إن ارتفاع هرمون النور أدرينالين في الدم يؤدي إلى تسارع دقات القلب ، وهذا ما يشعر به الإنسان حين الإنفعال والذي يجهد القلب وينذر باختلاطات سيئة . فهو يعمل على رفع الضغط الدموي بتقبيضه للشرايين والأوردة الصغيرة كما أن الارتفاع المفاجئ للضغط قد يسبب لصاحبه نزفاً دماغياً صاعقاً يؤدي إلى إصابة الغضبان بالفالج ، وقد يصاب بالجلطة القلبية أو الموت المفاجئ ،وقد يؤثر على أوعية العين الدموية فيسبب له العمى المفاجئ ، وكلنا يسمع بتلك الحوادث المؤلمة التي تنتج عن لحظات غضب
هذا وإن ارتفاع النور أدرينالين في الدم يحرر الغليكوجين من مخازنه في الكبد ويطلق سكر العنب مما يرفع السكر الدموي ، إذ من المعلوم أن معظم حادثات الداء السكري تبدأ بعد انفعال شديد أو غضب . أما ارتفاع الأدرينالين فيزيد من عمليات الإستقلاب الأساسي ويعمل على صرف كثير من الطاقة المدخرة مما يؤدي إلى شعور المنفعل أو الغضب بارتفاع حرارته وسخونة جلده
كما ترتفع شحوم الدم مما يؤهب لحدوث التصلب الشرياني ومن ثم إلى حدوث الجلطة القلبية أو الدماغية كما يؤدي زيادة الهرمون إلى تثبيط حركة الأمعاء ومن ثم إلى حدوث الإمساك الشديد . وهذا سبب إصابة ذوي المزاج العصبي بالإمساك المزمن .
ويزداد أثناء ثورات الغضب إفراز الكورتيزون من قشرة الكظهر مما يؤدي إلى زيادة الدهون في الدم على حساب البروتين ، ويحل الكورتيزون النسيج اللمفاوي مؤدياً إلى نقص المناعة وإمكانية حدوث التهابات جرثومية متعددة ، وهذا ما يعلل ظهور التهاب اللوزات الحاد عقب الانفعال الشديد ، كما يزيد الكورتيزول من حموضة المعدة وكمية الببسين فيها مما يهيء للإصابة بقرحة المعدة أو حدوث هجمة حادة عند المصابين بها بعد حدوث غضب عارم .
وقد أثبتت البحوث الطبية الحديثة وجود علاقة وثيقة بين الانفعالات النفسية ومنها الغضب وبين الإصابة بالسرطان . وتمكن العلم أن يبين مدى خطورة الإصابة السرطانية على إنسان القرن العشرين ،قرن القلق النفسي ، وأكدت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من انفعالات نفسية مريرة بصورة مستمرة يموتون بالسرطان باحتمال نسبي أكبر
فالانفعالات النفسية تولد اضطراباً هرمونياً خطيراً في الغدد الصماوية يؤدي إلى تأرجح في التوازن الهرموني بصورة دائمة ، هذا التأرجح يساعد على ظهور البؤرة السرطانية في أحد أجهزة البدن
ويرى بعضهم أن التأثيرات التي تحصل في البدن نتيجة الغضب الشديد والذي يسبب فيضاً هرمونياً يؤدي إلى ما يشبه التماس الكهربائي داخل المنزل بسبب اضطرابات الدارة الكهربائية ، وما ينتج عن ذلك من تعطل في كافة أجزاء الدارة الكهربائية
ولا شك أن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم قد عرف بنور الوحي خطورة هذه الانفعالات النفسية على مستقبل المجتمع الإنساني قبل أن يكتشف الطب آثارها ، ودعا بحكمة إلى ضبط انفعالاتهم ـ قدر المستطاع ـ [ لا تغضب ]محاولاً أن يأخذ بأيديهم إلى جادة الصواب ـ رحمة بهم ـ وحفاظاً على صحة أبدانهم من المرض والتلف ، لكنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يعلم في نفس الوقت طبيعة النفس البشرية ، ويعلم أن الإنسان لحظة غضبه قد لا يقوى على كتم غضبه ، خاصة إن كان يغضب لله أو لعرض أو ماله ، فإذا به يصف العلاج قبل أن يستفحل الغضب ، وقبل أن يقدم الغاضب على فعل لا تحمد عقباه .
الهدي النبوي في معالجة الغضب : سبق طبي معجز
لا شك أن سرعة الغضب من الأمراض المهلكة للبدة والمستنفذة لقواه وقد جاءت التعاليم النبوية بطرق ناجعة لمكافحة الغضب والحد من تأثيره السيئ على البدن وعلى المسلم أن يروض نفسه على الحلم , فبالحلم تستأصل جذور العداوات من النفس وتستل الخصومات من القلوب . وقد أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ كما نعلم من سيرته ـ أوفى نصيب من الحلم وسعة الصدر وضبط النفس عند الغضب .
عن أبي هريرة رضي الله عنها أن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يقول : " أربع من كن فيه وجبت له الجنة وحفظ من الشيطان : من يملك نفسه حين يرغب وحين يرهب وحين يشتهي