التوازن النفسي أساس الاستقرار والسكينة القلبية تعد الحياة المثالية هي التي يكتمل فيها للفرد وللمجتمع وسائل الأمن والأمان، والطمأنينة والاستقرار، والفوز بمطالب الحياة، ويسعد فيها الفرد بصلته بخالقه سبحانه جل وعلا، والاتجاه إليه في جميع الأحوال ، فيصفو ضميره وتخلص نيته، ويوجهه إيمانه الصادق إلى الخير وفعل الخير. والإسلام يركز في بناء الفرد على أسلوب فريد، وهو حرصه البالغ على مزج القوة الروحية والقوة الجسدية في قالب واحد، ليعملا معا في توافق واتزان لصالحه وصالح المجتمع، بحيث لا تطغى قوة على قوة، ويعود الأمر بأسوأ النتائج على الفرد وعلى المجتمع. وقد حرص الإسلام على أن يحمل راية التوجيه والعناية بأبنائه، كما حرص على ان يكونوا في أرفع الدرجات الإنسانية، وأن يمثلوا في مختلف حياتهم الإنسان الحق، الجدير بحمل الأمانة التي وضعها المولى سبحانه تبارك وتعالى على عاتقه، حينما استخلفه في الأرض. والتوازن النفسي يرتبط ارتباطا وثيقا بقدرة الفرد على التوافق مع نفسه ومع مجتمعه، والذي يؤدي إلى التمتع بحياة هادئة سوية، مليئة بالتحمس، وخالية من الاضطراب، وهذا يعني أن يرضى الفرد عن نفسه، وأن يتقبل ذاته كما يتقبل الآخرين، ويكون سلوكه الاجتماعي مقبولا، يتسم بالتوازن، ويتصف بالإيجابية، والقدرة على مواجهة المواقف في مختلف نواحي حياته. وبناء على هذا نستطيع أن نقرر أن التوازن النفسي لا يوهب للفرد، بل يكتسبه بجده واجتهاده، فكل فرد مسؤول عن توازنه النفسي وعن تنميته باستمرار، وللتوازن النفسي مظاهر سلوكية تبدو واضحة في تصرفات الأفراد، من أهم هذه المظاهر ما يلي: الإرادة إن الإيمان الصادق بالمولى سبحانه عز وجل هو القوة الدافعة إلى عمل الخير، والفرد المالك لهذه القوة هو الذي يستخدم عقله وإرادته في الضبط الذاتي. ولما كانت الإرادة هي "الميل إلى العمل" فهي بذلك تدخل في حيز النزوع، ومن الخطأ الشائع بين الذين كتبوا في "علم النفس" قديما أنهم قصروا النزوع على الإرادة، فقالوا: إن الظواهر النفسية عبارة عن :إدراك، ووجدان، ونزوع، وإرادة، والحقيقة غير هذه، إذ أن هناك نوعا من السلوك ينزع إليه الفرد بالفطرة، وهناك نوع من الأعمال ينزع الفرد إلى أدائها عن طريق العادة، وهناك مجموعة من الأشياء يفعلها الفرد مستجيبا إلى الميل الوجداني في داخله، فالنزوع إذن إما أن يكون فطريا – أي:غريزيا – وإما ان يكون إراديا، والعمل الإرادي المتكامل يسير في أربع خطوات هي: الشعور بالغرض، والروية، والعزم، والتنفيذ. والفرد الذي يتمتع بالتوازن النفسي له إرادة، يستمدها من إيمانه بالمولى سبحانه عز وجل، وهو صمام الأمان لكل سلوك أو انفعال، وقد تجلت قوة المولى سبحانه تبارك وتعالى حين خلق الإنسان وعنده طاقة الإرادة، ليختار من بين الضدين، والإنسان السوي من كان كلامه بإرادة، وحركته بإرادة، وعمله بإرادة، وصدق الحق سبحانه عز وجل حيث يقول في محكم كتابه:(ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)"سورة الشمس الآيات من 7 إلى 10"، أما الأفراد المضطربون نفسيا فلا يمكنهم التحكم في انفعالاتهم وتصرفاتهم، وكذلك المضطربون عقليا، ومن ثم فلا إرادة لهم. معرفة النفس وفهمها تعد قدرة الفرد على فهم نفسه ومعرفتها من المظاهر الأساسية للتوازن النفسي، فالفرد المتوازن نفسيا غالبا ما يكون لديه القدرة على فهم ذاته ومعرفتها، ويكون في ذات الوقت مدركا لنواحي القوة والضعف في نفسه. ولقد حث الإسلام على التفكير، فطلب من الفرد أن يفكر في نفسه، وفي عجيب خلقه، ودقة تكوينه، وهو بذلك يدفع الأفراد إلى دراسة النفس، ومعرفة أسرارها، حتى يمكنهم أن يدركوا قدرة الخالق سبحانه عز وجل، ووظيفتهم في هذه الحياة، ليعملوا على أدائها بصورة تقربهم من خالقهم وموجدهم سبحانه عز وجل. ومعرفة الفرد لنفسه تساعده على ضبط أهوائها، ووقايتها من الغواية والانحراف، ومن ثم تتكامل شخصيته وتتميز بقدرتها على التكيف السليم، وتتفاعل بتوازن واعتدال وثقة بنفسها، مؤكدة لذاتها في غير تطرف، وموفقة بين دوافعها الفطرية وبين إرادة المجتمع، وفقا لما يسوده من مبادئ وقيم ومثل. الإيجابية يعتبر الفرد الذي يتمتع بالتوازن النفسي هو الذي يتمكن من بذل الجهد الموجه للبناء في مختلف الاتجاهات كما أنه لا يقف عاجزا أمام العقبات والمشكلات التي تواجهه في حياته اليومية. والعلاقة بينه وبين بيئته علاقة أخذ وعطاء، علاقة فعل وانفعال، علاقة تأثير متبادل وصراع موصول، وهو في تفاعله مع بيئته يتأثر بشتى الانفعالات، ويرغب ويدبر، ويقدر ويصمم، ويتعلم وينفذ، ويخطئ ويصيب، كما أنه يعبر عن أفكاره باللفظ أو الحركة أو بالإشارة، ويحاول أن يسلك أنواعا مختلفة من النشاط، أما الفرد الذي لا يتمتع بالايجابية فعادة ما يقف عاجزا أمام أي فشل أو أي مشكلة مهما كانت صغيرة أو كبيرة. أداء الواجبات وتحمل المسؤولية إن كل فرد من الأفراد إذا قام بواجبه وحصل على حقوقه، توازن نفسيا وجسديا، وارتقى اجتماعيا، بيد أن النفس الإنسانية غالبا ما تميل إلى تحصيل حقوقها أكثر مما تميل إلى أداء واجباتها، وتركها على هذا الوضع يفسدها، ويقودها إلى الانحراف، ويخل بموازين الحياة، التي تقوم على الأخذ والعطاء، والعدل بين الحقوق والواجبات، فبقدر ما يأخذ الفرد من حقوق يعطي واجبات، إذ أن واجباته حقوق لغيره عليه، وحقوقه واجبات على غيره له، ومن هنا اقتضى التوازن النفسي إلزام الفرد بأداء واجباته، وتعويد نفسه على ذلك باستمرار. وإلزام النفس بعمل الواجبات وترك الانحرافات عملية نفسية إرادية، تتضمن أفكار ومشاعر المسؤولية والرضا، والصدق والأمانة، وتدفع إلى الانجاز والتفوق، فيشعر الفرد بالكفاءة والجدارة، ويحصل على الاستحسان والتقدير، ويرضى عن نفسه، وعن الناس، وعن الحياة، ولذلك كانت رسالة الإسلام هي العمل على صوغ الإنسان الفاضل، المؤمن بصدق، سواء أحب أم كره، إذ أن الناس في الحياة إما أخ في الدين، أو نظير في الخلق. الانفعالات المناسبة إن الانفعالات هي محور الحياة اليومية، فهي تلازم الفرد في تعلمه المستمر، وفي سعيه الدائم للتوافق والتكيف، وهي ليست عمياء كما يعتقد بعض الدارسين، بل يعد عدم الانفعال في موقف يستدعي من الفرد أن يغضب أو يحزن، مظهر من مظاهر الاضطراب النفسي، وانخفاض مستوى التوازن النفسي، فللانفعالات أهمية كبرى في حفظ حياة الكائن الحي، إذ تعتبر بمثابة رد فعل طبيعي يقوم به الفرد لمواجهة المواقف الطارئة التي تعترضه، وعن طريقها يتمكن من مقاومة المواقف التي تواجهه، أو الهروب منها. بيد أن كثرة الانفعالات والإسراف فيها يضر بتوازن الفرد النفسي والجسدي، واضطراب الناحية الانفعالية يعد من الأسباب الهامة في نشأة كثير من أعراض الأمراض الجسدية، والتخلص من القلق هو خير طريق للعلاج، وفي القرآن الكريم كثير من الآيات القرآنية الكريمة التي تساعد الفرد على السيطرة على انفعالاته، ومن هنا وجب أن تقام دعائم الحياة الانفعالية للأفراد على أسس نفسية سليمة، تدفع الفرد نحو العمل والطموح، وتكون مصدرا قويا لاستمتاعه بحياته، في آلامها وآمالها، وفي مسراتها وأحزانها، وذلك عندما تكون الانفعالات على قدر المواقف.