الذرية الصالحة من أعظم النعم
والصلاة والسلام على خيرة الآباء، أبي الزهراء ، سيد الأولياء، وأعظم الأصفياء، وأجل المربين النبلاء.
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً
الذريةالصالحة هذه الهبة، وهذا العطاء الرباني يحصل بسببين اثنين:
أولهما: قضاء وقدر من الحي القيوم، وهداية خَلقية أمرية منه تبارك وتعالى.
وثانيهما: سبب كسبي من العبد بالتربية والتوجيه والتعليم.
فها هو إبراهيم الخلـيل يتوجه إلى الله تبارك وتعالى أن يجنب أبناءه الشرك والوثنية، يقول عليه السلام في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35].. كأنه يقول: يا رب! لا تجعل أبنائي مشركين وثنيين فجرة، حينها تُنَغَّص عليَّ الحياة، وتُكَدَّر عليَّ السعادة، وتُظْلِم الدنيا في عينيَّ.
ويقول بعدها بآيات في قوله تعالى: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37].. يا رب! أبنائي يقيمون الصلاة فلا تضيعهم. يارب! أبنائي أتقياء أخيار؛ فلا تجعلهم ضُلاَّلاً مشركين.
ويقول في سورة البقرة -يوم طلب الولاية من الله لـه ولأبنائه- في قوله تعالى: قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124].
ولو كان الأب خَيِّراً باراً سعيداً تقياً، ولكن ابنه فاجر، فلن تناله ولاية الله، فالله ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، ولا واسطة، ولا شفاعة, إلا لمن ارتضى من عباده الأخيار.
وزكريا عليه السلام يشرف على الهرم، ويدركه الشيب، ويضمحل جسمه، فيلتفت إلى القبلة, ويرفع أكف الضراعة إلى الحي القيوم، يقول الله عنه: قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً [مريم:4-6] يقول: يا رب! أسألك ابناً صالحاً يرثني في الخير، يدعو لي وأنا في القبر، مُسَدَّداً، يتصدَّق. فيُحَسِّن خُلُقَه، فيكون في ميزان حسناته، سبحان الله! يا له من دعاء..!
يقول الله في سورة الكهف: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82] حفظ الله لهما الكنـز؛ لأن أباهما كان صالحاً.
والله عز وجل يمتن على زكريا عليه السلام بالهداية لأبنائه، فيقول: وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90].
ومدرسة التوجيه والتربية في القرآن تعتمد على الوصايا النافعة، لا على المبادئ المهزوزة الفاشلة، والتعاليم التي أُسْقِيَها أبناء المسلمين في هذا العصر، تجعل الواحد منهم ينشأ فاشلاً فاجراً إلا من رحم ربك.
يقول تعالى حاكياً عن لقمان وصيته لابنه: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].
وتربية الأبناء - أيها الآباء النبلاء الفضلاء الشرفاء - تحصل بأمور؛ أفرد بعض العلماء فيها تصانيف؛ ومن أجَلِّ ما تحصل بها هذه الأمور:
أولها: اختيار الزوجة الصالحة.
ويوم نخفق ونفشل في اختيار المرأة الصالحة سوف ينشأ النشء غير مستقيم، ولا مسترشد.
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراقِ
الأم نبت إن تعاهده الحيا بالريِّ أورق أيما إيراقِ
والرسول - عليه الصلاة والسلام - يعلن الأسس التي تتزوج عليها الأمم جميعاً، فيقول: {تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولنسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك }.
فأهل فارس : يتزوجون للجمال.
والروم: يتزوجون للنسب.
واليهود: يتزوجون للمال.
وأما أمة محمد عليه الصلاة والسلام: فيتزوجون للدين، وللاستقامة.
والأم إذا كانت صالحة مرشدة؛ نشأ أبناؤها حفظة لكتاب الله، أخياراً، أبراراً، سعداء، يتشرفون بحمل الرسالة، لا يَخْجلون إذا تلبسوا بالسنة، لا يتدسسون إذا رأوا على أنفسهم معالم الاستقامة؛ لأن بعض الناس ينكس رأسه إذا استقام، ويخجل أن يسمى سنياً؛ لأنها ما غرست في قلبه فطرة (لا إله إلا الله).