والان تعرف على المراهق والأسرة عندما
يدرك المراهق أن له شخصية فريدة ذات خصائص مميزة يأخذ في خلع الرداء
الطفولي ويبدأ نضاله في الإستقلال بنفسه ومصيره ومحاولة الحصول على المزيد
من الإستقلال الذاتي والتخلص من التواكل على الأبوين .
ويعتبر
التمرد والجدال من الأعراض السيئة لتعويق جهود المراهق في سبيل التخلص من
تواكل الطفولة ، فالإحتجاج على قرارات الأب ، وعدم الإمتثال الأعمى للسلطة ،
من الوسائل التي يعلن بها المراهق عن نموه، وعن رغبته في نزع قيد الإعتماد
على الغير عن كاهله، ورغبته في التفكير بنفسه والوقوف على قدميه.
ثمة
وسائل كثيرة يستطيع بها الكبار مواجهة حاجات المراهق إلى الإستقلال الذاتي
ووقايته من التمرد والإحباط. ومن هذه الوسائل منحه مرتبا شهريا أو يوميا،
وإتاحة بعض فرص كسب المال له، والحرية في إختيار ملابسه وشرائها، فتلك أمور
يسهل إتباعها في البيت والمدرسة كما أن السلوك المترتب عليها يتضمن نوعا
من الإستقلال الذاتي المقبول من الناحية الإجتماعية.
ويرجع قدر كبير
من النفور الذي يحس به الكبار حيال مطالبة المراهق بالإستقلال إلى ما يتسم
به سلوك الفتيان والفتيات من تناقض وجداني. فسلوك المراهقين يتميز
بالإضطراب وعدم الثبات، فهو يكشف تارة عن الحدة والتسلط وتارة أخرى عن
الحياء والإنطواء. وقد يطالبنا المراهق اليوم بحقوق الكبار وامتيازاتهم ثم
به غدا يسأل أمه أن تختار له لون شرابه أو تحدد له الموعد الذي ينبغي أن
يستيقظ فيه، إلى غير ذلك من المظاهر التي لا تدل على تمام نضجه.
كذلك
يرجع بعض هذا الإستنكاف إلى عدم قدرة الكبار ، ولا سيما الآباء ، على
التنازل عما اعتادوا فرضه من سلطان على ابنائهم في غدوهم ورواحهم. وتتسبب
حاجتهم إلى السيطرة عليهم في إخفاقهم في إشباع حاجة المراهق إلى التحرر
وحاجته إلى إكتساب القدرة على تقرير أموره بنفسه وإلى الإستقلال بشؤون
حياته.
ولا شك أن تكيف الاباء والأمهات للتغيرات التي تطرأ على
علاقتهم بأبنائهم المراهقين يصبح أكثر يسراً إذا حرصوا منذ البداية على
تشجيع أطفالهم على إتخاذ قراراتهم على اساس من الفهم وحسن الإدراك وعلى
الإشتراك معهم في تدبير شؤون الأسرة. أو بعبارة أخرى إذا عاملوهم على أنهم
أشخاص ينبغي أن يتعلموا تحمل المسؤولية نحو أنفسهم ونحو غيرهم أيضا.
وصفوة
القول إن علاقات المراهقين بوالديهم أو الكبار الذي يحيطون بهم قد تبدو
متعارضة أو متناقضة. فمن ناحية يود هؤلاء المراهقون لو أنهم يتخلصوا من
سيطرة آبائهم ، ومن ناحية أخرى يعبرون عن حاجتهم لتوجيه وإرشاد أكثر من
جانب آبائهم. والواقع هم يريدون الأمرين معا: الحرية وتوجيه الآخرين لهم.
أي أن يعاملوا كما يعامل الكبار وفي نفس الوقت الإحتفاظ بعلاقة وثيقة مع
اسرهم. وهذا أمر طبيعي في هذه الفترة التي ينتقلون فيها من مرحلة الطفولة
إلى مرحلة الرجولة أو الأنوثة. ومن الممكن أن يجتازوا هذه الفترة بنجاح إذا
سمح لهم بقدر من الحرية والإستقلال وبشيء من التأييد والمساعدة إذا ما
احتاجوا إليها.
* سيكولوجية الطفولة والمراهقة للدكتور مصطفى فهمي
أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس
الموضوع الاصلي : والان تعرف على المراهق والأسرة المصدر : منتدى ابتكاري