أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: فمن الجوانب التي تظهر عليها الآثار السيئة لمخالفة منهج السلف الصالح في باب معاملة الحكام كالخروج عليهم وعدم طاعتهم في المعروف: الجانب السياسي، سواء ما يتعلق بالجوانب السياسيّة الداخليّة أو الخارجيّة، ولبيان ذلك، سيكون لي مع بعض تلك الآثار وقفات لأبيّن للقارئ الكريم، خطر مخالفة منهج السلف في باب معاملة الحكام على الجانب السياسي، ومن تلك الآثار: (عنوان 1- ضعف الدولة الإسلامية وقوّة شوكة أعداء المسلمين.) إنّ من أعظم الآثار التي يخلّفها الخروج على الحكام وعدم السمع والطاعة لهم: ضعف الدولة الإسلامية، وانتهاك قواها، مع ما يقابله من قوّة العدو، وظهور شوكته. فإنَّ في الخروج عليه إضعافاً لجيشه، وتقليلاً من عددهم، وذلك لأنّ الحاكم سيصد الخوارج وسيقاتلهم، وسيحاول استئصال شوكتهم، فيذهب كثير من جنده، وسيخسر كثيراً من عتاده، خاصّة إذا كان الخارجي له شوكة وشأفة وقوّة يصعب استئصالها. وسينشغل المسلمون بقتال هؤلاء الخوارج وستتعطل الثغور، ويقلّ الجهاد في سبيل الله، فيقوى العدو، ويزداد في إعداد نفسه، إن لم يداهم الإسلام والمسلمين. وقد سمع الحسن البصري -رحمه الله- رجلاً يدعو على الحجاج فقال له: (( لا تفعل -رحمك الله- إنكم من أنفسكم أوتيتم، وإنما تخاف إن عزل الحجاج أو مات أن تليكم القردة والخنازير )). ومن أسباب ضعفه -أيضاً- تخلّف الناس عن القتال معه، كمن يرى عدم جواز الجهاد مع حكام الجور، مخالفاً بذلك قول أهل السنّة، فيترتب على ذلك قلةً في جيشه، وضعفاً في عزيمته. قال عبدالملك بن حبيب-رحمه الله-: (( سمعت أهل العلم يقولون: لا بأس بالجهاد مع الولاة، وإن لم يضعوا الخُمس موضعه، وإن لم يوفوا بعهد إن عاهدوا، ولو عملوا ما عملوا، ولو جاز للنّاس ترك الغزو معهم لسوء حالهم؛ لاستذلّ الإسلام، وتخيفت أطرافه، واستبيح حريمه، ولعلى الشرك وأهله ))رواه ابن أبي زمنين في أصول السنة (ص:289) . وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ -رحمه الله-: (( ثم هنا مسألة أخرى وداهية كبرى، دها بها الشيطان كثيراً من الناس، فصاروا يسعون فيما يفرق جماعة المسلمين، ويوجب الاختلاف في الدين، وما ذمه الكتاب المبين، ويقضي بالإخلاد إلى الأرض، وترك الجهاد، ونصرة رب العالمين، ويفضي إلى منع الزكاة، ويشب نار الفتنة والضلالات، فتلطف الشيطان في إدخال هذه المكيدة، ونصب لها حججاً ومقدمات، وأوهمهم أن طاعة بعض المتغلبين، فيما أمر الله به ورسوله، من واجبات الإيمان، وفيما فيه دفعٌ عن الإسلام وحماية لحوزته، لا تجب والحالة هذه، ولا تشرع )) الدرر السنيّة جمع ابن قاسم (8/377-380)، وعيون الرسائل والأجوبة على المسائل جمع الشيخ سليمان بن سحمان (2/875-879) . وفي المقابل فإنّ الخوارج مع قتلهم للمسلمين، وإضعافهم لهم، يَتركون أهل الأوثان والشرك والكفر، ويُديرون معاركهم ضد أهل الإسلام، كما جاء ذلك في قول النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (( يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان ))، وهذا الفعل من السمات البارزة كما جاء عن الشاطبي تقرير ذلك انظر: الموافقات (5/150-151). وقد أفتى علماء الأندلس لـمّا سئلوا عن طائفة خرجت على الإمام، فذكروا مفاسد الخروج وعواقبه الوخيمة، فقالوا: (( مع ما في ذلك من توهين المسلمين، وإطماع العدو الكافر في استئصال بيضتهم، واستباحة حريمهم )) المعيار المعرب للونشريسي (11/149). وقال العلامة المعلمي -رحمه الله-: (( ومن كان يكرهه (أي: الخروج على الولاة) يرى أنّه شق لعصا المسلمين، وتفريق لكلمتهم، وتشتيت لجماعتهم، وتمزيق لوحدتهم، وشغل لهم بقتل بعضهم بعضاً، فتهن قوّتهم وتقوى شوكة عدوّهم، وتتعطّل ثغورهم، فيستولي عليها الكفار، ويقتلون من فيها من المسلمين، ويذلّونهم، وقد يستحكم التنازع بين المسلمين فتكون نتيجة الفشل المخزي لهم جميعاً، وقد جرّب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشرّ... )) التنكيل (1/93-94). ومما يسبب ضعف الدولة الإسلاميّة، ولعلّه ذهابها، كتم النصيحة عن الحاكم، وعدم إخباره بمن يكيد له وللمسلمين وللدولة الإسلامية بشرّ، وهذا من الواجبات التي تجب للحكام على رعيتهم. ومما يروى في ذلك، أنّ علي بن عيسى بن الجراح قال: سألت أولاد بني أميّة ما سبب زوال دولتكم؟ قالوا: (( خصال أربع أوّلها: أن وزراءنا كتموا عنّا ما يجب إظهاره لنا، والثاني: أنّ جباة خراجنا ظلموا النّاس فارتحلوا عن أوطانهم فخربت بيوت أموالنا، والثالثة: انقطعت الأرزاق عن الجند، فتركوا طاعتنا، والرابعة: يئسوا من إنصافنا فاستراحوا إلى غيرنا؛ فلذلك زالت دولتنا )) رواه البيهقي في شعب الإيمان (6/35) برقم [7422]، والتبريزي في النصيحة للراعي والرعيّة (ص:104). وهذا الأثر الذي يخلفه اتباع غير سبيل المؤمنين في معاملتهم لحكامهم، ينتج عنه أثر آخر خطير على الإسلام والمسلمين، وهو ما سيأتي. (عنوان 2- هزيمتهم وفشلهم أمام عدوّهم.) ومن الآثار السيئة السياسية -كذلك- المترتبة على مخالفة منهج السلف في معاملة الحكام، ما ينشأ عن هذه المخالفة من انهزام المسلمين أمام عدوّهم، وفشلهم في صد كيد الكفار والمشركين عن الدولة الإسلامية، فيحدث على الإسلام والمسلمين ما لا قِبَل لهم به من استيلاء الكفار على دولتهم، ومنعهم من إظهار دينهم.
فكما أنّ الاتفاق سبب للنجاح، والطاعة سبب للنصر، فكذلك الاختلاف سبب للفشل، والعصيان سبب للهزيمة، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}. قال الطرطوشي -رحمه الله-: (( أيها الأجناد، أقلّوا الخلاف على الأمراء، فلا ظفر مع اختلاف، ولا جماعة لمن اختلف عليه، قال الله تعالى: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}، وأوّل الظفر الاجتماع، وأوّل الخذلان الافتراق، وعماد الجماعة السمع والطاعة... )) سراج الملوك (2/703). وفي ذلك يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-: (( ولما أحدثت الأمّة الإسلاميّة ما أحدثت، وفرقوا دينهم، وتمرّدوا على أئمتهم، وخرجوا عليهم، وكانوا شيعاً؛ نزعت المهابة من قلوب أعدائهم، وتنازعوا ففشلوا وذهبت ريحهم، وتداعت عليهم الأمم، وصاروا غثاء كغثاء السيل )) شرح الأصول الستة (ص:161). (عنوان 3- استغلال العدو وشن الغارات على المسلمين.) ومن الآثار السيئة -أيضاً-، انتهاز العدوّ لهذه الفرصة، وهي اختلاف الرعيّة على إمامهم وتقاتلهم فيما بينهم، فينهض لغزو المسلمين، أو السطو على بعض بلدانهم وأموالهم، وشنّ الغارات عليهم، فإنّ الكفار يستغلون أي فرصة ضد المسلمين، كما قال تعالى: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}، هذا إذا انشغلوا عن أسلحتهم، فكيف إذا انشغلوا ببعضهم البعض، ووهت قوّتهم، وضعفت شكيمتهم. قال الإمام ابن عبدالبر -رحمه الله-: (( فالصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه، لأنّ في منازعته والخروج عليه: استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي الدهماء، وتبييت الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض، وهذا أعظم من الصبر على جور الجائر )) الاستذكار (14/41)، وللقرطبي كلام نحو هذا في تفسيره (2/108-109). ومن الأمثلة على ذلك من تاريخنا الإسلامي: استغلال الخزر اختلاف المسلمين، وذلك بخروج إبراهيم بن عبدالله بن حسن أخو النفس الزكيّة على الدولة العباسية، فشنوا الغارة على المسلمين. قال الذهبي -رحمه الله-: ((وعَرَفت الخزر باختلاف الأمة، فخرجوا من باب الأبواب، وقتلوا خلقاً بأرمينية، وسبوا الذرية، فلله الأمر)) سير أعلام النبلاء (6/224). (عنوان 4- تأخر الجهاد والانشغال عن أعداء الله.) إن توقف حركة الجهاد، وانشغال المسلمين عن الفتوح والغزوات ضد الكفرة والمشركين، لمن أعظم الآثار التي يخلّفها مخالفة منهج السلف في باب معاملة الحكام، فما يكاد إمام من أئمة المسلمين أن يغزو بلداً، أو يفتح حصناً، إلا ويأتيه ما يشغله من خروج الخوارج في أهله وبلده، فيضطر إلى الرجوع، فيرد كيدهم في نحرهم، ويصرف شرهم وخطرهم عن الإسلام والمسلمين. قال الشيخ محب الدين الخطيب -رحمه الله- عند حديثه عن الذين خرجوا على عثمان -رضي الله عنه-: (( وإنّ الشرّ الذي أقحموه على تاريخ الإسلام بحماقاتهم، وقصر أنظارهم، لو لم يكن من نتائجه إلا وقوف حركة الجهاد الإسلامي فيما وراء حدود الإسلام سنين طويلة لكفى به إثماً وجناية )) حاشية العواصم من القواصم لابن العربي (ص:57). وفي قصّة ابن الأشعث ما يؤكّد هذا المعنى، فإنّ جيش ابن الأشعث الذي ولاه الحجاج لقتال الترك، قد انتصر انتصارات كبيرة، وفتح عدداً من بلدان رتبيل الكافر، ولكن لما صمّموا على الخروج على الحجاج، وخلعه وخلع الخليفة، وبيعتهم لابن الأشعث، ترتب على ذلك، توقف جهاد الكفار من الترك، وخروجهم من بلاد الكفار، وقتالهم للمسلمين انظر: البداية والنهاية لابن كثير (12/307). ولمّا كان المعتصم يقاتل الروم، وفتح عدداً من بلدانهم، وأثخن فيهم قتلاً وسبياً، إلى أن وصل إلى قُسنطينيّة وصمّم على محاصرتها، أتاه ما أزعجه من خروج العباس بن المأمون عليه انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي ( 10 /297- 298 ). والأمثلة من التاريخ الإسلامي على ذلك كثيرة، وما هذا إلا غيض من فيض، وقد ضرب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عدداً من هذه الأمثلة، والتي كانت بعد ولاية معاوية -رضي الله عنه- التي كان النّاس فيها متفقين يغزون العدو، ثم توقف الجهاد وانحسر بسبب ما حدث من الفتن انظر: منهاج السنّة النبوية (6/231-232). وفي نهاية مطاف هذا الباب، أوصي نفسي وأخواني المسلمين، أن يتمسكوا بمنهج السلف الصالح، وأن يتركوا الآراء والأهواء المستوردة، والمنبثقة عن غير شريعتنا المطهرّة، فإنّ الخير كل الخير في اتباع سبيلهم، واقتفاء آثارهم، والشرّ كلّ الشر في مجانبتهم، واجتناب منهجهم، وما يدينون الله به (مميز كما اوصي الدعاة إلى الله أن يربوا الناس على العقائد الصحيحة والمناهج الصحيحة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة وبمناصحة ذوي العقول السديدة للحكام في أخطائهم العقدية والمنهجية والسياسية، فهذا هو المطلوب شرعاً وعقلاً منهم وبه يتحقق الخير كله أو جله ويزول الشر كله أو جله وذاك غاية ما يطمح إليه العقلاء المخلصون.) كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- رسالة إلى عدي بن أرطأة يقول فيها: (( أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه -صلّى الله عليه وسلّم-، وترك ما أحدث المحـدِثون مما قد جرت سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة، فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ قد كفوا، وهم كانوا على كشف الأمور أقوى وبفضل ما كانوا فيه أولى، فلئن قلتم: أمر حدث بعدهم، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم، ورغب بنفسه عنهم، إنهم لهم السابقون، فقد تكلموا منه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مقصر، وما فوقهم محسر، لقد قصر عنهم آخرون فضلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم )) رواه أبو داود في السنن (5/19)، 34-كتاب السنة، 7-باب لزوم السنّة، حديث (4612)، وأبو نعيم في الحلية (5/338-339)، والآجري في الشريعة (2/930-932) برقم [529]، وابن بطة في الإبانة (2/335) برقم [560]، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (3/873) برقم [3856.
فأسأل الله -تعالى- أن يلهمنا رشدنا، وأن يكفينا شرّ الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، إن ربي لسميع الدعاء. (شعر كتبه أخوكم خالد بن ضحوي الظفيري) (شعر هذه البحث جزء من رسالتي الماجستير -عجل الله فرجها- وهي بعنوان "ضوابط معاملة الحكام عند اهل السنة وآثارها على الأمة")