كانت نهاية
كابيلّو مع المنتخب الإنجليزي واضحة منذ خروجه المُفجع أمام الألمان في كأس
العالم 2010 برباعية لهدف، بالرحيل في أقرب فرصة ممكنة، وتم تحديد موعد
فعلي لمُغادرته عقب نهاية يورو 2012 في أوكرانيا وبولندا ومن ثم تولي مدرب
توتنهام "هاري ريدناب" مسؤولية الفريق.
لكن كابيلّو
أطاح بالقطع الشطرنجية من على طاولة الاتحاد الإنجليزي في قرار مفاجيء
بإعلان استقالته هذا الأسبوع بعد مسيرة دامت 4 أعوام تخللتها العديد من
الأحداث المثيرة، ما بين تغيير في الخطة من 4-4-2 لـ 4-5-1 لـ 4-2-2-2،
وتغيير قائد الفريق أكثر من ثلاث مرات بالاستعانة بتيري وجيرارد وفرديناند
وباري وروني، بالاضافة لتذبذب في مستواه التدريبي، وخسارة علاقته مع عدد من
النجوم الكبار أهمهم "ديفيد بيكهام" الذي أبدى رغبته في تقديم المساعدة
للمنتخب بخبراته الطويلة.
الاتحاد الإنجليزي فشل في طرد "كابيلّو"
حين كان يَحق له بذلك بالنظر للفضيحة الكروية المدوية التي ضربتهم في
المونديال أمام رجال خواكيم لوف، فشروط العقد الذي يربطهم به كان سيُجبرهم
على دفع مبلغ مالي ضخم يتجاوز الستة ملايين جنيه إسترليني إذا قاموا بفسخ
العقد، لهذا تم الابقاء على (الدّون فابيو) مع اعترافه بأنه قد احتفظ
بمركزه بسبب المادة وشروط التعاقد، ليس إمكانياته التدريبية التي تُعد
عادية بالنظر لنتائج الفريق معه منذ عام 2008 حتى الآن، فقد خسر من فرنسا
وإسبانيا مرتين ولم يُسجل الفريق تحت امرته سوى 3 أهداف في 4 مباريات
بمونديال 2010!.
للتواصل مع الكاتب عبر تويتر اضغط هنا |
ومع ذلك، أعترف لكم بأنه وبإقتدار تمكن من نفض الغبار عن نفسه، وأكد أنه
مدرب له قيمته، فقد عمل بكل قوة وجسارة رغم اهتزاز العلاقة بينه وبين
الجمهور وإدارة الاتحاد الإنجليزي، وقدم لنا في فترة زمنية قصيرة منتخب قوي
ومتطور للغاية وكان تقدمه في تصنيف الفيفا للمرة الأولى منذ زمن بعيد جداً
للمركز الرابع على العالم على حساب الأرجنتين وفرنسا ودول أخرى لها نتائج
أفضل في بطولاتها القارية وبطولة كأس العالم في السنوات الماضية دليل دامغ
على حجم العمل الرائع الذي قام به، وهذه كلمة حق يجب أن تُقال.
كما
تمكن بعد عودته من جنوب أفريقيا من إعادة الأسود الثلاثة لنهائيات كأس أمم
أوروبا بعد تفوقه على جميع منافسيه في مجموعة تكونت من (سويسرا، ويلز،
الجبل الأسود وبلغاريا) واستطاع كذلك التخلص من شريحة كبيرة من اللاعبين
كبار السن وكثيري الاصابات واكتشاف جيل جديد شاب يستطيع المنافسة في
السنوات الـ10 القادمة على كل المباريات والبطولات التي سيخوضها بدلاً من
ذلك الجيل العجوز الذي أصابته الشيخوخة في مونديال 2006 ولم يتم تبديله أو
تطعيمه بدماءٍ جديدة، ليودع المنتخب تصفيات أمم أوروبا 2008 تحت قيادة ستيف
ماكلارين الذي يُصنف كواحد من أسوأ المدربين الذين تولوا مسؤولية تدريب
إنجلترا إذ حقق الفوز تسع مرات فقط من 18 مباراة خاضها مع الفريق وخسر 5
وتعادل 4، ولم يسجل الفريق معه سوى 32 هدفاً واهتزت شباكه 12 مرة في 18
مباراة.
لكن هذا لا يعني أن كابيلّو لم يسقط في بعض الأخطاء خلال
الفترة التي حاول فيها إثبات نفسه للجميع بعد الخروج من المونديال، وأهم
تلك السقطات فشله في اتقان اللغة الإنجليزية والانصهار في المجتمع
الإنجليزي بطريقة تساعده على مواصلة مشواره واكتشاف المزيد من الخبايا عن
إنجلترا وأخص بالذكر العادات والتقاليد والمباديء، وهذا القصور الفادح في
فهم المجتمع ترتب عليه تردده في قضية قائد الفريق، فقد كان جيرارد يقوم
بعمل جيد أثناء غياب ريو فرديناند، وربما كانت هناك بدائل أخرى غير جون
تيري بعد فضيته مع صديقة واين بريدج لكنه أصر بغرابة على إعادة تيري والذي
بدوره سقط في خطأ جديد أكثر فداحة مما سبق.
الشارة ليست قطعة قماش ! لسوء الحظ، لوحة النجاح التي رسمها الداهية الإيطالية وكان يُنتظر الكشف
عنها لكل العالم في بلاد مملكة الجمال (أوكرانيا) هذا الصيف تلطخت بمشاكل
صغيرة بعيدة عن الملعب وأفسدت خطط وتدريبات وعمل شاق لسنوات طوال.
قبل
كأس العالم 2010 بأشهر قليلة جداً أرغم الاتحاد والإعلام الإنجليزي
كابيلّو على سحب شارة القيادة من جون تيري لحجة واهية من نظر من ليس لهم
علاقة بالعادات والتقاليد الإنجليزية والتي تنص على أن يكون قائد فريق كرة
القدم داخل إنجلترا من اللاعبين أصاحب السمعة الطيبة ليكون قدوة للشباب
والصغار، وهذه عادات لا يهتم بها الكثير من الشعوب، لكن في إنجلترا الحياة
غير أي مكان، فهناك تمسك بالعادات والتقاليد وإلا لرضخوا أمام نداءات
اللاعبين الأجانب بإلغاء بطولة كأس كارلينج ومنح الأندية عطلة شتوية في
فصلي ديسمبر ويناير لقضاء رأس السنة مع عائلاتهم.
الإنجليز ليسوا
مُتحجرين بل مُتمسكين ومُعتزين بمبادئهم، ولأن تيري عاد ليُخطيء بإهانة
مواطن إنجليزي "أنطون فرديناند" بكلمات عنصرية، كرر الاتحاد الإنجليزي
تصرفه بإجبار كابيلّو على تغيير موقفه تجاه تيري، وسحب شارة القيادة منه
للمرة الثانية بعدما أعادها إليه فبراير 2011، وهو تكرار لنفس الحادث في
نفس الوقت الصعب قبل بطولة كبرى بأشهر قليلة!.
وإدارة الاتحاد
الإنجليزي مُحقة في هذا الاتجاه والقرار، فالنيابة العامة والمحكمة أكدوا
بالأدلة تورط تيري بسب أنطون بكلمات غير لائقة، وكابيلّو أيضاً مُحق في
قرار الاستقال لأنه أمام اللاعبين سيفقد احترامه وشخصيته القوية، وبرأيي كل
القرارات التي سمعناها لا غبار عليها من كلا الطرفين، فلا يمكنك انتقاد
الاتحاد الإنجليزي لأنه يطبق قواعد وأعراف محلية أو انتقاد موقف كابيلّو
المُعتز بشخصيته وكبريائه وتاريخه.
فكل واحد منهم له أسبابه ومُبرراته، لكن الخطأ منذ البداية أعتقد أنه جاء من كابيلّو حين قرر إعادة شارة القيادة لجون تيري كما قال
"لأنه كان شاهداً على إلتزامه وإخلاصه خارج وداخل الملعب رغم سحب الشارة منه عام 2010 ومنحها لريو فرديناند".
لكن الحياة علمتنا أن ما ذهب لا يعود وإن ما كُسر لا يمكن اصلاحه، وكان يجب
على كابيلّو البحث عن قائد جديد، فهناك جاريث باري قائد مميز جداً مع
مانشستر سيتي، وكذلك واين روني مستواه ثابت من الناحية الفنية، نعم هو لاعب
أحمق وسريع الغضب ولكن حين يرتدي الشارة ربما يتغير وتتبدل تصرفاته في
الملعب، ويوجد باركر كان قائداً محنكاً لويستهام وحصل في شهر مارس 2011 على
لقب أفضل لاعب في الدوري آنذاك، ولو كان حصل عليها لما انتقد أحد القرار،
وباركر الآن يلعب دور المحارب والمدرب داخل الملعب مع توتنهام وأخر مباراة
ضد ليفربول تشهد، إصرار كابيلّو الغريب على تيري يفتح باب التساؤل،
هل العلاقات بين الأفراد أهم من الجماعة والكيان؟؟الخلاصة: دائماً
أقول أن إنجلترا سيئة الحظ، فقبل المونديال السابق أصيب عدد من اللاعبين
الجاهزين كانوا سيصنعوا الفارق مع الفريق بدلاً من المهازل التي شاهدناها.
وقبل
مونديال 1986 تعرضت البلاد للايقاف الأوروبي بسبب حادثة هايسل، وهو ما أثر
عليها لسنوات طوال مع بوبي روبسون وجرهام تايلور لتخرج من يورو 92 من
الدور الأول وتفشل في التأهل لمونديال 94، وحتى حين عادت لتنتفض أمام
ألمانيا والأرجنتين في يورو 96 ومونديال 98 اصطدمت بسوء الطالع في ركلات
الجزاء الترجيحية، وقبل يورو 2000 إقالة جلين هوديل بسبب تصريحه الشهير عن
المعاقين، ثم أخطاء بالجملة من المدرب حديث العهد كيفن كيجن، وقبل مونديال
2002 إصابة بيكهام وأوين وجيرارد ولامبارد وإعتزال شيرار، وقبل يورو 2004
إصابة أوين وطرد روني والخروج بركلات الجزاء أمام صاحبة الأرض، وفي 2006
الخروج مرة أخرى بكلات الجزاء من البرتغال.. أي سوء طالع هذا؟