ثبت في السنة النبوية النهي عن الصلاة في أوقات خمسة، ثلاثة منها في حديث، واثنان منها في حديث آخر.
أما الثلاثة ففي حديث مسلم عن عقبة بن عامر الجُهَني: "ثلاث ساعات كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلِّي فيهن، وأن نقبُر فيهن
موتانا: حين تطلعُ الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول
الشمس، وحين تتضيَّف الشمس للغروب".
وهذه الأوقات الثلاثة تختص بأمرين: دفن الموتى والصلاة.
وأما الوقتان الآخران ففي حديث البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع
الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس" ولفظ مسلم: "لا صلاة بعد صلاة
الفجر" وهذان الوقتان يختصان بالنهي عن الصلاة فقط.
فالأوقات الخمسة هي ما يأتي:
1- ما بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس كرُمْح في رأي العين.
2- وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رُمح أي بعد طلوعها بمقدار ثلث ساعة.
3- وقت الاستواء إلى أن تزول الشمس أي يدخل وقت الظهر.
4- وقت اصفرار الشمس حتى تغرب.
5- بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
والحكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات وتحريم النوافل فيها هي:
أن الأوقات الثلاثة الأولى ورد تعليل النهي عن الصلاة فيها في حديث عمرو
بن عبسة عند مسلم وأبي داود والنسائي: وهو أن الشمس عند طلوعها تطلع بين
قرني شيطان، فيصلي لها الكفار، وعند قيام قائم الظهيرة تسجر (توقد) جهنم
وتفتح أبوابها، وعند الغروب تغرب بين قرني شيطان، فيصلي لها الكفار.
فالحكمة هي إما التشبه بالكفار عبدة الشمس، أو لكون الزوال وقت غضب.
وأما حكمة النهي عن النوافل بعد الصبح وبعد العصر فهي ليست لمعنى في الوقت، وإنما لأن الوقت كالمشغول حكماً بفرض الوقت، وهو أفضل من النفل الحقيقي.
وأما نوع الحكم المستفاد من النهي: فهو حرمة النافلة عند الحنابلة في
الأوقات الخمسة وعند المالكية في الأوقات الثلاثة، والكراهة التنزيهية في
الوقتين الآخرين.
والحرمة أو الكراهة التحريمية تقتضي عدم انعقاد الصلاة على الخلاف الآتي.
وأما نوع الصلاة المكروهة ففيها خلاف بين الفقهاء.
أولاً- الأوقات الثلاثة (الشروق والغروب والاستواء) قال الحنفية: يكره
تحريماً فيها كل صلاة مطلقاً، فرضاً أو نفلاً، أو واجباً، ولو قضاء لشيء
واجب في الذمة، أو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة أو سهو، إلا يوم الجمعة على
المعتمد المصحح، وإلا فرض عصر اليوم أداء.
والكراهة تقتضي عدم
انعقاد الفرض وما يلحق به من الواجب كالوتر، وينعقد النفل بالشروع فيه مع
كراهة التحريم فإن طرأ الوقت المكروه على صلاة شرع فيها تبطل إلا صلاة
جنازة حضرت فيها، وسجدة تليت آيتها فيها، وعصر يومه، والنفل والنذر المقيد
بها، وقضاء ما شرع به فيها ثم أفسده، فتنعقد هذه الستة بلا كراهة أصلاً،
في الأولى منها، ومع الكراهة التنزيهية في الثانية، والتحريمية في البواقي.
ودليلهم عموم النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، وعدم صحة القضاء، لأن الفريضة وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص.
ولا يصح أداء فجر اليوم عند الشروق، لوجوبه في وقت كامل فيبطل في وقت
الفساد، إلا العوام فلا يمنعون من ذلك، لأنهم يتركونها، والأداء الجائز عن
البعض أولى من الترك.
ويصح أداء العصر مع الكراهة التحريمية، لحديث أبي هريرة: "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".
ويصح مع الكراهة التنزيهية أداء سجدة التلاوة المقروءة في وقت النهي أو
أداء صلاة منذورة فيه أو نافلة شرع بأدائها فيه، لوجوبها في هذا الوقت.
كذلك تصح صلاة الجنازة إذا حضرت في وقت مكروه لحديث الترمذي: "يا علي
ثلاثة لا تؤخرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيّم إذا وجدت
لها كفؤاً".
ثانياً- الوقتان الآخران (بعد صلاتي الفجر والعصر):
يكره تحريماً أيضاً التنفل فيهما، ولو بسنة الصبح أو العصر إذا لم يؤدها
قبل الفريضة أو بتحية مسجد، أو منذور، وركعتي طواف، وسجدتي سهو، أو قضاء
نفل أفسده، وتنعقد الصلاة.
ولا يكره في هذين الوقتين قضاء فريضة
فائتة أو وتر أو سجدة تلاوة وصلاة جنازة، لأن الكراهة كانت لشغل الوقت
بصاحب الفريضة الأصلية، فإذا أديت لم تبق كراهة بشغله بفرض آخر أو واجب
لعينه، لكن عدم الكراهة في القضاء بما بعد العصر مقيد بما قبل تغير الشمس،
أما بعده فلا يجوز فيه القضاء أيضاً، وإن كان قبل أن يصلي العصر.
وقال المالكية: يحرم النفل لا الفرض في الأوقات الثلاثة، ويجوز قضاء
الفرائض الفائتة فيها وفي غيرها، ومن النفل عندهم: صلاة الجنازة، والنفل
المنذور، والنفل المفسد، وسجود السهو البعدي، لأن ذلك كله سنة، عملاً
بمقتضى النهي السابق الثابت في السنة.
ويكره تنزيهاً النفل في
الوقتين الآخرين (بعد طلوع الفجر وبعد أداء العصر) إلى أن ترتفع الشمس بعد
طلوعها قدر رمح(1)، وإلى أن تصلى المغرب، إلا صلاة الجنازة وسجود التلاوة
بعد صلاة الصبح قبل إسفار الصبح، وما بعد العصر قبل اصفرار الشمس فلا يكره
بل يندب، وإلا ركعتي الفجر، فلا يكرهان بعد طلوع الفجر، لأنهما رغيبة كما
سيأتي.
______________________
(1) المقصود رمح من رماح العرب، وقدره اثنا عشر شبر بشبر متوسط.
ويقطع المتنفل صلاته وجوباً إن أحرم بوقت تحرم فيه الصلاة، وندباً إن أحرم بوقت كراهة، ولا قضاء عليه.
وقال الشافعية: تكره الصلاة تحريماً على المعتمد في الأوقات الثلاثة،وتنزيهاً في الوقتين الآخرين. ولا تنعقد الصلاة في الحالتين.
واستثنى الشافعية حالات كراهة فيها وهي ما يأتي :
1- يوم الجمعة: لا تكره الصلاة عند الاستواء يوم الجمع، لاستثنائه في خبر
البيهقي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: "كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة" وخبر أبي داود عن
أبي قتادة نحوه، ولفظه: "وكره النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة نصف النهار
إلا يوم الجمعة، وقال: إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة". رواه أبو داود.
والأصح عندهم جواز الصلاة في هذا الوقت، سواء أحضر إلى الجمعة أم لا.
2- حرم مكة: الصحيح أنه لا تكره الصلاة في هذه الأوقات في حرم مكة لخبر
جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا بني عبد مناف،
لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت، وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار" رواه
الترمذي، ولما فيه من زيادة فضل الصلاة فلا تكره بحال، لكنها خلاف الأولى
خروجاً من الخلاف.
3- الصلاة ذات السبب غير المتأخر، كفائتة،
وكسوف، وتحية مسجد، وسنة الوضوء وسجدة شكر، لأن الفائتة وتحية المسجد
وركعتي الوضوء لها سبب متقدم، وأما الكسوف وصلاة الاستسقاء وصلاة الجنازة
وركعتا الطواف فلها سبب مقارن. والفائتة فرضاً أو نفلاً تقضى في أي وقت
بنص الحديث: "من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها" متفق عليه وخبر
الصحيحين: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد العصر ركعتين، وقال: همااللتان
بعد الظهر" والكسوف وتحية المسجد ونحوهما معرضان للفوات، وفي الصحيحين عن
أبي هريرة "أنه صلى الله عليه وسلم قال لبلال: حدثني بأرجى عمل عملته في
الإسلام، فإني سمعت دَفْ نعليك(1) بين يدي في الجنة؟ قال: ما عملت عملاً
أرجى عندي من أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار، إلا صليت بذلك
الطهور ما كتب الله لي أن أصلي".
__________________
(1) الدَّف : صوت النعل وحركته على الأرض
وفي سجدة الشكر: ورد في الصحيحين أيضاً في توبة كعب بن مالك: "أنه سجد سجدة للشكر بعد صلاة الصبح قبل طلوع الشمس".
أما ما له سبب متأخر كركعتي الاستخارة والإحرام: فإنه لا ينعقد، كالصلاة التي لا سبب لها.
وقال الحنابلة: يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وغيرها،
لعموم الحديث السابق: "من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها"
ولحديث أبي قتادة: "ليس في النوم تفريط، وإنما التفريط في اليقظة، فإذا
نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها". رواه أبو داود والترمذي
والنسائي.
ولو طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتمها، خلافاً للحنفية، للحديث السابق:
"إذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، فليتم صلاته".
ويجوز فعل الصلاة المنذور في وقت النهي، ولو كان نذرها فيه، خلافاً
للحنفية، لأنها صلاة واجبة، فأشبهت الفريضة الفائتة وصلاة الجنازة.
ويجوز فعل ركعتي الطواف، للحديث السابق عند الشافعية: "يا بني عبد مناف،
لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى في أي ساعة شاء من ليل أو نهار".
وتجوز صلاة الجنازة في الوقتين (بعد الصبح وبعد العصر) وهو رأي جمهور
الفقهاء، ولا تجوز صلاة الجنازة في الأوقات الثلاثة (الشروق والغروب
والاستواء) إلا أن يخاف عليها فتجوز مطلقاً للضرورة، ودليلهم على المنع
قول عقبة بن عامر السابق: "ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا".
وتجوز إعادة الصلاة
جماعة في أي وقت من أوقات النهي بشرط أن تقام وهو في المسجد، أو يدخل
المسجد وهم يصلون، سواء أكان صلى جماعة أم وحده، لما روى يزيد بن الأسود،
قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، فلما قضى صلاته، إذا
هو برجلين لم يصليا معه، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا ؟ فقالا: يا رسول
الله، قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم
أتيتما مسجد جماعة، فصلِّيا معهم، فإنها لكم نافلة" رواه أبو داود
والترمذي، وهذا نص في الفجر، وبقية الأوقات مثله، ولأنه متى لم يعد لحقته
تهمة في حق الإمام.
ويحرم التطوع بغير الصلوات المستثناة السابقة
في شيء من الأوقات الخمسة، للأحاديث المتقدمة، سواء أكان التطوع مما له
سبب كسجود تلاوة وشكر وسنة راتبة كسنة الصبح إذا صلاها بعد صلاة الصبح، أو
بعد العصر، وكصلاة الكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وسنة الوضوء، أم ليس له
سبب كصلاة الاستخارة، لعموم النهي، وإنما ترجح عمومها على أحاديث التحية
وغيرها، لأنها حاظرة وتلك مبيحة، والحاظر مقدم على المبيح، وأما الصلاة
بعد العصر فمن خصائصه صلى الله عليه وسلم. لكن تجوز فقط تحية المسجد يوم
الجمعة إذا دخل والإمام يخطب فيركعهما، للحديث السابق "أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة".
ويجوز في
الصحيح قضاء السنن الراتبة بعد العصر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله،
فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة. والصحيح
في الركعتين قبل العصر أنها لا تقضى، لما روت عائشة "أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلاهما، فقلت له: أتقضيهما إذا فاتتا؟ قال: لا". ويجوز قضاء سنة
الفجر بعد صلاة الفجر، إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى خروجاً من
الخلاف.
والمشهور في المذهب أنه لا يجوز قضاء السنن في سائر أوقات النهي.
ولا فرق بين مكة وغيرها في المنع من التطوع في أوقات النهي، لعموم النهي.
كما لا فرق في وقت الزوال بين الجمعة وغيرها، ولا بين الشتاء والصيف، لعموم الأحاديث في النهي.
كراهة التنفل في أوقات أخرى:
كره الحنفية والمالكية التنفل في أوقات أخرى هي ما يأتي، علماً بأن الكراهة تحريمية عند الحنفية في كل ما يذكر هنا:
1- ما بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح: قال الحنفية: يكره تحريماً التنفل
حينئذ بأكثر من سنة الفجر، ولا كراهة عند الشافعية والحنابلة.
وقال المالكية: يكره تنزيهاً الصلاة تطوعاً بعد الفجر قبل الصبح، ويجوز
فيه قضاء الفوائت وركعتا الفجر، والوتر، والوِرْد، أي ما وظفه من الصلاة
ليلاً على نفسه.
ودليل الحنفية والمالكية على الكراهة حديث ابن عمر: "لا صلاة بعد الفجر إلا الركعتين قبل صلاة الفجر". رواه الطبراني.
2- ما قبل صلاة المغرب: يكره التنفل عند الحنفية والمالكية قبل صلاة
المغرب، للعمومات الواردة في تعجيل المغرب، منها حديث سلمة بن الأكوع: "أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غَرَبت الشمس وتوارت
بالحجاب" رواه أبو داود والترمذي، وحديث عقبة بن عامر: "لا تزال أمتي بخير
أو على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم" رواه أبو داود،
والتنفل يؤدي إلى تأخير المغرب، والمبادرة إلى أداء المغرب مستحبة.
وقال الشافعية: يستحب صلاة ركعتين قبل المغرب، وهي سنة غير مؤكدة، وقال
الحنابلة: إنهما جائزتان وليستا سنة، ودليلهم: ما أخرجه ابن حبان من حديث
عبد الله بن مغفل "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين"
وقال أنس: "كنا نصلي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد
غروب الشمس قبل صلاة المغرب" رواه مسلم، وعن عبد الله بن مُغّفَّل أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال: صلوا قبل
المغرب ركعتين، ثم قال عند الثالثة: لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة".
رواه البخاري وأبو داود.
3- أثناء خطبة الإمام في الجمعة والعيد
والحج والنكاح والكسوف والاستسقاء: يكره لدى الحنفية والمالكية التنفل عند
خروج الخطيب حتى يفرغ من الصلاة، لحديث أبي هريرة: "إذا قلت لصاحبك يوم
الجمعة: أنصت، والإمام يخطب فقد لغوت" متفق عليه، وأضاف المالكية أنه يكره
التنفل بعد صلاة الجمعة أيضاً إلى أن ينصرف الناس من المسجد.
وكذلك يكره التنفل تنزيهاً أثناء الخطبة عند الشافعية والحنابلة إلا تحية
المسجد إن لم يخش فوات تكبيرة الإحرام، ويجب عليه أن يخففهما بأن يقتصر
على الواجبات، فإن لم يكن صلى سنة الجمعة القبلية نواها مع التحية إذ لا
يجوز له الزيادة على ركعتين، ولا تنعقد صلاة غير التحية عند الشافعية.
ودليلهم خبر الصحيحين: "إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"
فهو مخصص لخبر النهي. وروى جابر، قال: "جاء سُلَيك الغطفاني، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا سليك قم، فاركع ركعتين، وتجوَّز فيهما"
رواه مسلم، أي خفف فيهما.
4- ما قبل صلاة العيد وبعده: يكره
التنفل عند الحنفية والمالكية والحنابلة قبل صلاة العيد وبعده، لحديث أبي
سعيد الخدري قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً،
فإذا رجع إلى منزله، صلى ركعتين" رواه ابن ماجه، وأضاف الحنابلة: لا بأس
بالتنفل إذا خرج من المصلى.
والكراهة عند الحنفية والحنابلة سواء
للإمام والمأموم، وسواء أكان في المسجد أم المصلى، أما عند المالكية
فالكراهة في حال أدائها في المصلى لا في المسجد.
وقال الشافعية:
يكره التنفل للإمام قبل العيد وبعده، لاشتغاله بغير الأهم، ولمخالفته فعل
النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى ابن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي
صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين لم يصلّ قبلها ولا بعدها" متفق
عليه.
ولا يكره النفل قبل العيد بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام،
لانتفاء الأسباب المقتضية للكراهة، كذلك لا يكره النفل بعد العيد إن كان
لا يسمع الخطبة، فإن كان يسمع الخطبة كره له.
5- عند إقامة
الصلاة المكتوبة: قال الحنفية: يكره تحريماً التطوع عند إقامة الصلاة
المفروضة، لحديث: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" رواه مسلم،
إلا سنة الفجر إن لم يخف فوت جماعة الفرض ولو بإدراك تشهده، فإن خاف تركها
أصلاً، فيجوز الإتيان بسنة الفجر عند الإقامة، لشدة تأكدها، والحث عليها،
ومواظبة النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه السلام: "ركعتا الفجر خير من
الدنيا وما فيها" رواه مسلم، وقالت عائشة: "لم يكن النبي صلى الله عليه
وسلم على شيء من النوافل أشدَّ تعاهداً منه على ركعتي الفجر" متفق عليه.
وروى الطحاوي وغيره عن ابن مسعود: "أنه دخل المسجد، وأقيمت الصلاة، فصلى
ركعتي الفجر في المسجد إلى أسطوانة".
وكذلك يكره التطوع عند ضيق وقت المكتوبة، لتفويته الفرض عن وقته.
وقال الشافعي والجمهور: يكره افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة، سواء أكانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر، أم غيرها كتحية للمسجد.
ودليل الجمهور على كراهة افتتاح النافلة: قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا
أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" وفي الرواية الأخرى: "أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم مر برجل يصلي، وقد أقيمت صلاة الصبح، فقال: يوشك أن
يصلي أحدكم الصبح أربعاً" ومعناه أنه لا يشرع بعد الإقامة للصبح إلا
الفريضة، فإذا صلى ركعتين نافلة بعد الإقامة، ثم صلى معهم الفريضة، صار في
معنى "من صلى الصبح أربعاً" لأنه صلى بعد الإقامة أربعاً.
والصحيح في الحكمة في النهي عن صلاة النافلة بعد الإقامة: أن يتفرغ
للفريضة من أولها، فيشرع فيها عقب شروع الإمام، وإذا اشتغل بنافلة فاته
الإحرام مع الإمام، وفاته بعض مكملات الفريضة، فالفريضة أولى بالمحافظة
على إكمالها. وفيه حكمة أخرى هو النهي عن الاختلاف على الأئمة.
إلا أن الإمام مالك قال: إن لم يخف فوات الركعة ركعهما خارج المسجد.