ومن يطع الرسول وقال الله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله وقال تعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم وقال تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وقال تعالى واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة والآيات في الباب كثيرة
الشرح
ثم نقل المؤلف رحمه الله تعالى في سياق الآيات في باب الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها قوله تعالى من يطع الرسول فقد أطاع الله من يطع الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله والطاعة موافقة الأمر سواء كان ذلك في فعل المأمور أو ترك المحظور فإذا قيل طاعة ومعصية فالطاعة لفعل المأمور والمعصية لفعل المحذور أما إذا قيل طاعة على سبيل الإطلاق فإنها تشمل الأوامر والنواهي يعني أن امتثال الأوامر طاعة واجتناب النواهي طاعة فالذي يطيع النبي صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه أي إذا أمره أمتثل وإذا نهاه اجتنب فإنه يكون مطيعا لله عز وجل هذا منطوق الآية ومفهومها أن من يعص الرسول فقد عصى الله وفي هذه الآية دليل على أن ما ثبت في السنة فإنه كالذي ثبت في القرآن أي أنه من شريعة الله ويجب التمسك به ولا يجوز لأحد أن يفرق بين الكتاب والسنة ولقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام محذرا حينما قال لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من عندي فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه يعني أنه يحذر من أنه ربما يأتي زمان على الناس يقولون لا نتبع إلا ما في القرآن أما ما في السنة فلا نأخذ به وهذا أمر قد وقع بالفعل فوجد من الملاحدة من يقول لا نقبل السنة لا نقبل إلا القرآن والحقيقة أنهم كذبة فإنهم لم يقبلوا لا السنة ولا القرآن لأن القرآن يدل على وجوب اتباع السنة وإن ما جاء في السنة كالذي جاء في القرآن لكن هم يموهون على العامة ويقولون إن السنة ما دامت ليست قرآنا يتلى ويتواتر بين المسلمين فإن ما فيها قابل للشك وقابل للنسيان وقابل للوهم وما أشبه ذلك ثم ذكر المؤلف قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم هذا تحذير من الله عز وجل للذين يخالفون عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم يعني يرغبون عن أمره فيخالفونه ولهذا لم يقل يخالفون أمره وإنما قال يخالفون عن أمره أي يرغبون عنه فيخالفونه حذرهم من أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم قال الإمام أحمد أتدري ما الفتنة الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك والعياذ بالله أي أنه إذا رد شيئا من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام فربما يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك يهلك ليس هلاكا بدنيا بل هلاكا دينيا والهلاك الديني أشد من الهلاك البدني الهلاك البدني مآل كل حي طالت به الحياة أم قصرت لكن الهلاك الديني خسارة في الدنيا والآخرة والعياذ بالله وقوله أو يصيبهم عذاب أليم يعني أنهم يعاقبون قبل أن تحل بهم الفتنة نسأل الله العافية ففي هذا دليل على وجوب قبول أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأن الذي يخالف عنه مهدد بهذه العقوبة أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ثم نقل المؤلف رحمه الله تعالى فيما ذكره من الآيات التي صدر بها باب المحافظة على اتباع السنة وآدابها قوله تعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض والخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم أخبره الله عز وجل أن يهدي إلى صراط مستقيم يعني يدل إليه ويبينه للناس والصراط المستقيم بينه الله في قوله صراط الله يعني الصراط الذي نصبه الله تعالى لعباده وهو شريعته وأضافه الله إلى نفسه لأنه هو الذي نصبه ولأنه يوصل إليه كما أنه أضافه في سورة الفاتحة إلى الذين أنعم الله عليهم لأنهم هم الذين يسلكونه فالنبي عليه الصلاة والسلام يهدي الناس إلى الصراط ويدلهم عليه ويهديهم إليه ويرغبهم في سلوكه ويحذرهم من مخالفته وهكذا من خلفه من أمته من العلماء الربانيين فإنهم يدعون إلى الصراط المستقيم صراط الله فإذا قال قائل ما الجمع بين هذه الآية وأنك لتهدي إلى صراط مستقيم وبين قوله تعالى إنك لا تهدي من أحببت فإن هذه الآية نزلت حين اغتم النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب وكان عمه أبو طالب مشركا ولكنه كان يدافع عنه ويرفع منزلته ويذب عنه ويقول فيه المدائح والقصائد العظيمة لكن حرم خير الإسلام والعياذ بالله ومات على الكفر فلما حضرته الوفاة كان عنده النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان من قريش فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فإذا هم أن يقولها قال له الرجلان من قريش أترغب عن ملة عبد المطلب يعني ملة الشرك والعياذ بالله فكان آخر ما قال إنه على ملة عبد المطلب ومات كافرا قال النبي عليه الصلاة والسلام إنه شفع فيه عند الله فأصبح في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه نعلان في أسفل بدنه يغلي منهما دماغه فما بالك بما هو دون الدماغ والعياذ بالله قال النبي صلى الله عليه وسلم نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار يعني لولا شفاعتي فيه لأنه ذب عن دين الإسلام وحمى النبي صلى الله عليه وسلم لكان في الدرك الأسفل من النار فهنا يقول إنك لا تهدي من أحببت وفي الآية التي ذكرها المؤلف يقول وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم قال أهل العلم والجمع بينهما أن الآية التي فيها إثبات الهداية يراد هداية الدلالة يعني أنك تدل الخلق وليس كل من دل على الصراط اهتدى وأما الهداية التي نفى الله عن رسوله عليه الصلاة والسلام حيث قال إنك لا تهدي من أحببت فهي هداية التوفيق لا أحد يستطيع أن يوفق أحدا للحق ولو كان أباه أو ابنه أو عمه أو أمه أو خاله أو جدته أبدا من يضلل الله فلا هادي له ولكن علينا أن ندعو عباد الله إلى دين الله وأن نرغبهم فيه وأن نبينه لهم ثم إن اهتدوا فلنا ولهم وأن لم يهتدوا فلنا وعليهم قال الله تعالى طسم تلك آيات الكتاب المبين لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين يعني لعلك تهلك نفسك بالهم والغم إذا لم يكونوا مؤمنين فلا تفعل إن الهداية بيد الله بل أد ما عليك وقد برئت ذمتك ثم ختم المؤلف الآيات بقول الله تعالى واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا الخطاب لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات الطيبات هؤلاء النسوة هن أطهر زوجات على وجه الأرض منذ خلق آدم وقد حاول المنافقون أن يدنسوا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في قصة الإفك التي نسجوا خيوطها ورموا بها الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها حيث اتهموها بما هي بريئة منه فأنزل الله في براءتها عشر آيات في كتابه تتلى إلى يوم القيامة فقال تعالى إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم إلى قوله تعالى والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فنساء النبي عليه الصلاة والسلام يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة ما يتلى يتلوه النبي عليه الصلاة والسلام وهن أيضا يتلونه فيقول عز وجل اذكرن هذا اذكرن ما يتلى في البيوت والتزمن بالسنة وقمن بما يجب لأن الذي يتلى في بيته الكتاب والحكمة لا شك أنه قد حصل على خير كثير وعلم غزير وإنه مسئول عن هذا العلم فكل من آتاه الله علما وحكمة فإنه مسئول عنه أكثر ممن جهل نسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى العلم والحكمة إنه جواد كريم