شرح حديث أول ( ثلاثة نفر ) تُسعّر بهم نار جهنّم يوم القيامة - نسأل الله العافية والسل
1617 – وعنه ( أي : أبو هريرة – رضي الله عنه - ) قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمته فعرفها , قال : فما عملت فيها ؟ , قال : قاتلت فيك حتى استشهدتُ , قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء* فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقى في النار , ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها , قال : فما عملت فيها ؟ , قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن , قال : كذبت ولكنك تعلمت العلم وعلمته وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر فسحب على وجهه حتى ألقي في النار , ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتي به فعرفه نعمه فعرفها , قال : فما عملت فيها ؟ , قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك , قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار ) رواه مسلم .
* جريء : بفتح الجيم وكسر الراء وبالمد أي : شجاع حاذق .
:: الشَّـــرْحُ ::
لما ذكر المؤلف رحمه الله في رياض الصالحين الآيات التي تدل على تحريم الشرك ومنه الرياء ذكر الأحاديث فمنها حديث أبي هريرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه هذا الحديث يسمى عند العلماء حديث قدسي وهو الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه فيقول قال الله تعالى كذا لأن الأحاديث التي تروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم إما أن ينسبها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله فتسمى أحاديث قدسية وإما ألا ينسبها إلى الله فتسمى أحاديث نبوية هذا الحديث القدسي يقول الله تعالى فيه أنا أغنى الشركاء عن الشرك الشركاء كل محتاج إلى الآخر وكل محتاج إلى شركته ونصيبه وحصته لا يتنازل أحد للآخر عن نصيبه فمثلا دار بين اثنين كل منهما محتاج للآخر لو حصل في الدار خلل أو احتاجت إلى تعمير صار الشريك لابد أن يقول لشريكه الثاني أعطني أعطني نصيبي حتى نعمر البيت وصار كل إنسان متمسكا بنصيبه من هذا البيت أما الله تعالى فهو الغني عن كل شيء غني عن العالمين إذا عمل الإنسان عملا لله ولغير الله تركه الله لو صلى الإنسان لله وللناس لم يقبل الله صلاته لا يقال إنه يقبل نصفها ويترك نصفها أو يقبلها قبولا نصفيا لا لا يقبلها أبدا لو تصدق الإنسان بصدقة يرائي بها الناس فإنها لا تقبل منه لأن الله تعالى أغنى الشركاء عن الشرك إذا عمل الإنسان عملا أشرك فيه مع الله غيره فإن الله لا يقبله منه وفي هذا دليل على أن الرياء إذا شارك العبادة فإنها لا تقبل فلو أن الإنسان صلى أول ما صلى وهو يرائي الناس لأجل أن يقولوا فلان ما شاء الله يتطوع يصلي ويكثر الصلاة فإنه لا حظ له في صلاته ولا يقبلها الله عز وجل حتى لو أطال ركوعها وسجودها وقيامها وقعودها وصار لا يتحرك وصارت عينه في موضع سجوده فهي غير مقبولة لماذا ؟ لأنه أشرك مع الله غيره يصلي لله والناس، الله غني عن عبادته سبحانه وتعالى لا تقبل .
كذلك رجل تصدق صار يمشي على الفقراء ويعطيهم لكنه يرائي الناس من أجل أن يقولوا: فلان والله ما شاء الله رجل جواد كريم يتصدق فهذا أيضا لا يقبل منه وإن أنفد ماله كله لأن الله يقول أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عما أشرك فيه معي غيري تركته وشركه وعلى هذا فقس لكن إن طرأ الرياء على الإنسان يعني رجل مخلص شرع في الصلاة ثم صار في قلبه شيء من الرياء فهذا إن دافعه فلا يضره لأن الشيطان يأتي للإنسان في عبادته التي هو مخلص فيها من أجل أن يفسدها عليه بالرياء هذا لا يضر ولا ينبغي أن يكون ذليلا أمام ما يلقيه الشيطان من الرياء بل يجب أن يصمد وأن يستمر في عبادته لا يقول والله أنا صار معي رياء أخاف أن تبطل لا بل يستمر والشيطان إذا دحرته اندحر من شر الوسواس الخناس الذي يخنس ويولي مدبرا إذا رأى العزيمة فأنت أعزم ولا يهمك هذا لا يضرك أما إذا طرأ عليه الرياء بعد أن بدأ الصلاة مخلصا لله ثم طرأ عليه الرياء واستمر استمر على الرياء والعياذ بالله فإنها تبطل الصلاة كلها من أولها إلى أخرها لأنها أي الصلاة إذا بطل آخرها بطل أولها فالحذر الحذر من الرياء والحذر الحذر من ترك العبادة خوفا من الرياء لأن بعض الناس أيضا يأتيه الشيطان يقول له لا تقم تصلي لا تقرأ صار هذا رياء لا يكن عليك السكينة والوقار هذا رياء من أجل ماذا ؟ من أجل أن يصده عن هذا العمل الصالح فعلينا ألا ندع للشيطان مجالا يفعل يقدم يصلي يكون عليه السكينة والوقار ولا يضرنا هذا وهو إذا كافح الشيطان ولم يبال به ففي النهاية يخنس يخنس الشيطان ويتراجع ويتقهقر فالإنسان في الحقيقة محاط بأمرين أمر قبل الإقدام على العبادة يثبطه الشيطان يقول لا تعمل هذا رياء ترى الناس يمدحونك وأمر ثاني بعد أن يشرع في العبادة يأتيه الشيطان أيضا فعليه أن يدحض الشيطان وأن يستعيذ بالله منه وأن يمض في سبيله وألا يفتر فإن قال قائل إذا فرغ الإنسان من العبادة وسمع الناس يثنون عليه وفرح بهذا هل يضره ؟ فالجواب لا يضره لأن العبادة وقعت سليمة وكون الناس يثنون عليه هذا من عاجل بشرى المؤمن أن يكون محل الثناء من الناس لكن هذا بعد أن ينتهي من العبادة نهائيا سمع الناس يثنون عليه يقول الحمد لله الذي جعلني محل الثناء بالخير كذلك أيضا لو أن الإنسان فعل العبادة ولما انتهى منها سر بها فهل نقول هذا السرور إعجاب يبطل العمل ؟ لا ما يضره لأن الإعجاب أن الإنسان إذا فرغ من العبادة أعجب بنفسه وأبلي على الله بها ومن على الله بها، هذا هو الذي يبطل عمله والعياذ بالله، لكن هذا الإنسان ما خطر على باله هذا، ولكن حمد الله وفرح أن الله وفقه إلى الخير، هذا لا يضره، ولهذا جاء في الحديث: من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن جعلنا الله وإياكم منهم أما حديث أبي هريرة الثاني في ذكر أول من يقضي عليه يوم القيامة وهم ثلاثة أصناف: متعلم ومقاتل ومتصدق المتعلم تعلم العلم وعلم القرآن وعلم ثم إن الله سبحانه وتعالى أتي به إليه سبحانه وتعالى يوم القيامة فعرفه الله نعمته فعرفها وأقر واعترف فسأله ماذا صنعت يعني في شكر هذه النعمة، فقال: تعلمت العلم وقرأت القرآن فيك فقال الله له: كذبت، ولكن تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: قارئ ليس لله بل لأجل الرياء، ثم أمر به فسحب على وجهه في النار، وهذا دليل على أنه يجب على طالب العلم في طلب العلم أن يخلص نيته لله عز وجل وألا يبالي أقال الناس أنه عالم أو شيخ أو أستاذ أو مجتهد أو ما أشبه ذلك لا يهمه هذا الأمر، لا يهمه إلا رضا الله عز وجل حفظ الشريعة وتعليمها ورفع الجهل عن نفسه ورفع الجهل عن عباد الله حتى يكتب من الشهداء الذين مرتبتهم بعد مرتبة الصديقين .
{ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين } وأما من تعلم لغير ذلك، ليقال إنه عالم وإنه مجتهد وإنه علامة وما أشبه لك من الألقاب فهذا عمله حابط والعياذ بالله، وهو أول من يقضى عليه ويسحب على وجهه في النار ويكذب يوم القيامة ويوبخ، أما الثاني فهو رجل مقاتل، قاتل في سبيل الله وقتل، فلما كان يوم القيامة أتي به إلى الرب عز وجل فعرفه نعمه فعرفها يعني النعم أنه سبحانه وتعالى مده وأعده ورزقه وقواه حتى وصل إلى هذه المرتبة إلى أن قاتل، ثم سئل ماذا صنعت فيها ؟ فيها: قال يا رب قاتلت فيك، فيقال: كذبت، قاتلت من أجل أن يقال فلان شجاع جرئ وقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه في النار والعياذ بالله وهكذا أيضاً المقاتل في سبيل الله المقاتلون في سبيل الله لهم نوايا متعددة من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ومن قاتل وطنية ففي سبيل الطاغوت، ومن قاتل حمية على قومية فهو في سبيل الطاغوت ومن قاتل لينال دنيا فهو في سبيل الطاغوت، لأن الله يقول { الذين آمنوا يقاتل في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت } لكن لو قاتل الإنسان قومية أو وطنية، لا من أجل القومية ولا الوطنية، ولكن من أجل حماية وطنه المسلم أن يعتدي عليه الكفار فهذا في سبيل الله، لأن حماية بلاد المسلمين ثمرتها أن تكون كلمة الله هي العليا، وكذلك حماية المسلمين ثمرتها أن تكون كلمة الله هي العليا ولكن لو أن الإنسان قاتل ليقتل فقط في هذا القتال، هل يكون في سبيل الله ؟ الجواب: لا، وهذا نية كثير من الشباب يذهبون لأجل أن يقتلوا ويقولوا نحن نقتل شهداء، فيقال لا، أنتم اذهبوا لتقاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا ولو بقيتم، لا تذهبون لأجل أن تقتلوا لكن لأجل أن تكون كلمة الله هي العليا وحينئذ إن قتلتم في هذا السبيل فأنتم في سبيل الله أما الثالث فرجل أنعم الله عليه بالمال وصار يتصدق ويعطي وينفق فإذا كان يوم القيامة أتي به إلى الله وعرفه نعمه فعرفها ثم سأله ماذا صنعت فيها ؟ فيقول: تصدقت وفعلت وفعلت، فيقال: كذبت ولكنك فعلت ليقال فلان جواد يعني كريماً، وقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه في النار هذا أيضاً من الثلاثة الذين تسعر بهم النار يوم القيامة وفي هذا دليل على أنه يجب على الإنسان أن يخلص النية لله في جميع ما يبذله من مال أو بدن أو علم أو غيره، وأنه إذا فعل شيئاً مما يبتغي به وجه الله تعالى وصرفه إلى غير ذلك، فإنه آثم به والله الموفق .
ـــــــــــ
من شرح كتاب || ريـاض الصالحين ||
للإمـــام // محمد بن صالح العثيمين // تغمده الله تعالى بواسع رحمته ومغفرته .