غزوه أحد غزوة أحد
شعرت قريش بمرارة الهزيمة التي لقيتها في حربها مع المسلمين في بدر ،
وأرادت أن تثأر لهزيمتها ، حيث استعدت لملاقاة المسلمين مرة أخرى ليوم
تمحو عنها غبار الهزيمة .
ذهب صفوان بن أمية ، وعكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن ربيعة إلى أبي
سفيان يطلبون منه مال القافلة ليتمكنوا من تجهيز الجيش ، ولقد كان ربح
القافلة ما يقارب الخمسين ألف دينار ، فوافق أبو سفيان على قتال
المسلمين ، وراحوا يبعثون المحرضين إلى القبائل لتحريض الرجال .
اجتمع من قريش ثلاثة آلاف مقاتل مستصحبين بنساء يحضن الرجال عند حمي
الوطيس .
وخرج الجيش حتى بلغ مكان ( ذو الحليفة ) قريبا من أحد .
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم المشركين إليهم فاستشار أصحابه
، فقال الشيوخ : نقاتل هنا ، وقال الرجال : نخرج للقائهم . فأخذ النبي
صلى الله عليه وسلم برأي الرجال . لبس النبي صلى الله عليه وسلم حربته
وخرج يريد لقاء المشركين ، فخرج من المدينة ألف رجل ، انسحب عبد الله
بن أبي المنافق بثلث الجيش قائلا : ما ندري علام نقتل أنفسنا ؟
عسكر المسلمون عند جبل أحد ، ووضع الرسول عليه الصلاة والسلام خطة
محكمة ، وهي أنه وضع خمسين رجلا على الجبل قادهم عبد الله بن جبير ،
وأمرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بعدم التحرك سواء في الفوز أو
الخسارة .
وبدأت المعركة ، وقاتل حمزة بن عبد المطلب قتال الأبطال الموحشين ،
وكاد جبير بن مطعم قد وعد غلامه وحشيا أن يعتقه إن هو قتل حمزة . يقول
وحشي :
خرجت أنظر حمزة أتربصه حتى رأيته كأنه الجمل الأورق يهد الناس بسيفه
هدا ، فهززت حربتي ، حتى إذا رضيت عنها دفعتها إليه فوقعت في أحشائه
حتى خرجت من بين رجليه ، وتركته وإياها حتى مات . لقد كان استشهاد حمزة
نكبة عظيمة على المسلمين ، إلا إنهم قاوموا وصمدوا أمام قتال المشركين
. ولقد قاتل مصعب بن عمير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل ،
وراح قاتله يجري إلى قومه يخبرهم أنه قتل محمدا. وراحت قريش تجر أذيال
الهزيمة ثانية ، حيث أن اللواء قد سقط على الأرض تطأه الأقدام .
رأى الرماة من فوق الجبل هزيمة المشركين ، وقال بعضهم : ما لنا في
الوقوف حاجة . ونسوا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم ، فذكرهم
قائدهم بها ، فلم يكترثوا بمقولته ، وسارعوا إلى جمع الغنائم . لاحظ
خالد بن الوليد نزول الرماة ، فانطلق مع بعض المشركين والتفوا حول
الجبل ، وفاجئوا المسلمين من الخلف ، فانبهر المسلمون وهرعوا مسرعين
هاربين . وارتفعت راية المشركين مرة أخرى ، فلما رآها الجيش عاودوا
هجومهم . ولقد رمى أحد المشركين حجرا نحو الرسول صلى الله عليه وسلم ،
فكسرت رباعية الرسول عليه الصلاة والسلام ، كما أنه وقع في حفرة كان
أبو عامر الراهب قد حفرها ثم غطاها بالقش والتراب ، فشج رأس النبي صلى
الله عليه وسلم ، وأخذ يمسح الدم قائلا : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم
وهو يدعوهم إلى ربهم !
نادى الرسول في أصحابه قائلا : هلموا إلي عباد الله .. هلموا إلي عباد
الله . فاجتمع ثلاثون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجمع
جيشه ونظمه ، ولحق بالمشركين ليقلب نصرهم هزيمة وفرحهم عزاء . فلما
ابتعدوا أكثر فأكثر .. تركهم وعاد للمدينة .
وهكذا ، أدركنا أن من خالف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، فلا يحسبن
نفسه ناج من مصيره إلا إذا شمله الله برحمته التي وسعت كل شيء علما .