تفسير سورة النساء ( 20 ) 5
11– (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ) أي يخالف الرسول ويعاديه (مِن بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) بالأدلّة العقلية والبراهين العلمية
(وَيَتَّبِعْ) طريقاً(غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) أي غير طريقهم ،
يعني غير دينهم ، وذلك لأنّ أبا طعمة ارتدّ ورجع إلى مكّة ولحق بالمشركين
فنزلت فيه هذه الآية (نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى) أي نجعله مولى لِما تولّى
من الضلال ، والمعنى نخلّي بينه وبين ما اختاره لنفسه من الأوثان ومن
أمراء المشركين (وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ) أي ونجعل مصيره جهنّم وذلك بعد
نصوله من جسمه المادّي ، يعني روحه تدخل جهنّم ، وفي المنجد : "يقال نصل
السهم من نصله أي خرج من نصله ، ونصلت الخيل من الغبار أي خرجت منه" ،
(وَسَاءتْ) جهنّم (مَصِيرًا) لِمن وقع في شراكها وجاذبيّتها ولم ينجً منها
.
123 – لَمّا نزل قوله تعالى في هذه السورة {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ
إِلاَّ إِنَاثًا} قال المشركون إنّنا نقرّب قرابين للأصنام ونقدّم لَها
الهدايا ونطعم الطعام لأجلها وإنّ الله يجزينا بخير على أعمالنا وإنّ
الأصنام تساعدنا وتنصرنا على أعدائنا . فنزلت هذه الآية (لَّيْسَ
بِأَمَانِيِّكُمْ) أي ليس الثواب بأمانيّكم وعقائدكم بأن تقدّموا القرابين
والهدايا للأصنام وترجون الجزاء من الله على ذلك ،كلاّ لا جزاء لكم لأنّ
عملكم هذا عمل سوء (وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ) الذين يشركون بالله
ثمّ يقولون نحن في الجنّة ويعملون أعمالاً لغير الله ويقولون إنّ الله
يجازينا عليها . (مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) سوءً وعامل الخير
يُجازى خيراً ، فأنتم تعملون السوء وتريدون الجزاء عليه ، فإنّ الله يعاقب
عامل السوء ولا يجازيه بخير (وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ
وَلِيًّا) يتولّى أمره (وَلاَ نَصِيرًا) ينصره ويخلّصه من عذاب الله .
124 – ثمّ بيّن سبحانه بأنّ الإنفاق على الفقراء وإطعام الطعام والأعمال
الصالحة تقبل من المؤمنين الموحّدين ويجازون عليها ولا تُقبَل من المشركين
وإن كثرت ، فقال (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ) كان
(أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بالله وبالرسل وبالقيامة والحساب وهو مع
ذلك موحّد غير مشرك (فَأُوْلَـئِكَ) الموحّدون (فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ
الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ) من جزائهم (نَقِيرًا) أي قدر ما ينقره
الطير من الحبّ .
125 – ثمّ بيّن سبحانه بأنّ منهج هؤلاء المشركين على خطأ وأنّ الصحيح هو
منهج الإسلام وهو حسن أيضاً فقال (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا) أي لا أحد أحسن
ديناً (مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله) أي مِمّن استسلم لأوامر الله
ووجّه وجهه إليه في صلاته وعبادته ولم يتّجه بوجهه للأوثان (وَهُوَ
مُحْسِنٌ) في أعماله وأفعاله (واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ) التي سار
على نهجها محمّد (حَنِيفًا) أي موحّداً (وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ
خَلِيلاً) من الخلّة أي محبّاً وحبيباً .
127 – سأل النبيّ رجل من الصحابة فقال عندي يتيمة وأريد أن أتزوّجها أيجوز
بلا صداق ؟ فنزلت هذه الآية (وَيَسْتَفْتُونَكَ) يا محمّد ، أي يطلبون
منك الفتوى (فِي) شأن (النِّسَاء) وزواجهنّ (قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ
فِيهِنَّ) أي في أمرهنّ (وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ) أي
ويفتيكم أيضاً فيما يُقرَأ عليكم في القرآن (فِي يَتَامَى النِّسَاء)
اللاتي تولّيتم عليهنّ بالوصاية (الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ
لَهُنَّ) من الميراث والصداق . كانوا في الجاهلية لا يورّثون النساء ولا
الأولاد الصغار (وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ) بلا صداق وهذا لا يجوز
فيجب أن تدفعوا صداقهنّ قبل نكاحهنّ (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ
الْوِلْدَانِ) معناه ويفتيكم في المستضعفين من الصبيان الصغار أن تعطوهم
حقوقهم كاملةً ولا تأخذوا منها شيئاً (وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى
بِالْقِسْطِ) أي بالعدل سواءً ذكراً كان أو أنثى صغيراً كان أو كبيراً فلا
تظلموهم حقوقهم بل اعطوها لهم كاملة وأحسنوا إليهم (وَمَا تَفْعَلُواْ
مِنْ خَيْرٍ) مع اليتامى (فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا) فيجازيكم
على إحسانكم .
منقول من كتاب
المتشابه من القرآن
للمرحوم محمد علي حسن
______________________________
وهنا انقل جزء من التفسير الميسر للتوضيح والمقارنة
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى
وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ( 115 )
ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما ظهر له الحق, ويسلك طريقًا
غير طريق المؤمنين, وما هم عليه من الحق, نتركه وما توجَّه إليه, فلا
نوفقه للخير, وندخله نار جهنم يقاسي حرَّها, وبئس هذا المرجع والمآل.
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا ( 117 )
ما يعبد المشركون من دون الله تعالى إلا أوثانًا لا تنفع ولا تضر, وما
يعبدون إلا شيطانًا متمردًا على الله, بلغ في الفساد والإفساد حدّاً
كبيرًا.
لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا ( 118 )
طرده الله تعالى من رحمته. وقال الشيطان: لأتخذن مِن عبادك جزءًا معلومًا في إغوائهم قولا وعملا.
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ
مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (
124 )
ومن يعمل من الأعمال الصالحة من ذكر أو أنثى, وهو مؤمن بالله تعالى وبما
أنزل من الحق, فأولئك يدخلهم الله الجنة دار النعيم المقيم, ولا يُنْقَصون
من ثواب أعمالهم شيئًا, ولو كان مقدار النقرة في ظهر النواة.
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ
مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا ( 125 )
لا أحد أحسن دينًا ممن انقاد بقلبه وسائر جوارحه لله تعالى وحده, وهو
محسن, واتبع دين إبراهيم وشرعه, مائلا عن العقائد الفاسدة والشرائع
الباطلة. وقد اصطفى الله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام- واتخذه صفيّاً من
بين سائر خلقه. وفي هذه الآية, إثبات صفة الخُلّة لله - تعالى- وهي أعلى
مقامات المحبة, والاصطفاء
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ
وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاتِي
لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى
بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ
عَلِيمًا ( 127 )
يطلب الناس منك - أيها النبي- أن تبين لهم ما أشكل عليهم فَهْمُه من قضايا
النساء وأحكامهن, قل الله تعالى يبيِّن لكم أمورهن, وما يتلى عليكم في
الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تعطونهن ما فرض الله تعالى لهن من المهر
والميراث وغير ذلك من الحقوق, وتحبون نكاحهن أو ترغبون عن نكاحهن, ويبيِّن
الله لكم أمر الضعفاء من الصغار, ووجوب القيام لليتامى بالعدل وترك الجور
عليهم في حقوقهم. وما تفعلوا من خير فإن الله تعالى كان به عليمًا, لا
يخفى عليه شيء منه ولا من غيره