الحكم الشرعي في الخروج عن الحاكم قال
الامام النووي رحمه الله فيكتاب المجموع بشرح المهذب : (لا يجوزُ الخروجُ
عن الإمامِ لما رَوَى ابنُ عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم
قال: «مَنْ نَزَعَ يَدَهُ مِنْ طَاعَةِ إمامهِ فإنَّهُ يَأتِي يومَ
القِيامَةِ ولا حجْة لهُ، ومَنْ ماتَ وهو مفارقٌ للجماعةِ فإنّهُ يموتُ
ميتةً جاهليةً» وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلّم: «مَنَّ حمَل علينا السَّلاحَ فليسَ منا».
الشرح:البغاة، وأهل البغي، جمعُ باغٍ، والبغي هو الظّلم ومجاوزةُ الحدّ،
وسمُّوا بذلك لظلمهم وعدولهم عن الحق، كما يقال: بغت المرأة، إذا فجرت. وهم
مخالفو الإمام بخروجه عليه، وترك الانقياد، أو منع حقّ توجّه عليهم.
وقال الشافعي رحمه الله: أخذتُ السيرة في قتال المشركين من النبي ، وفي
قتال المرتدين من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي قتال البغاة، من عليّ
رضي الله عنه .
وهم مسلمون، قد خالفوا الإمام ولو جائر، أو هم عادلون، حكاه القفال والقشيري عن معظم الأصحاب.
ويجب قتال البغاة، مع العلم أنهم لا يكفَّرون بالبغي، فلو عاد الباغي إلى
طاعة الإمام، قبلت توبته، وترك قتاله. ثم إن الأصحاب أطلقوا القول: إنّ
البغي ليس بإسم ذمٍ، وأن الباغين ليسوا فسقة، ولا بكفرة، ولكنهم مخطئون
فيما يفعلون ويذهبون إليه من التأويل. ومنهم من يقول: هم عصاة ولا يسمّيهم
فسقة.
والأصلُ في المسألةِ، قوله عز وجلّ: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ
إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَـتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ
إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا
بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }
(الحجرات:9).
تشير الآية إلى أنهم إذا اقتتلُوا، وجب الإصلاحُ بينهما بالدعاء إلى كتاب
الله، والرضا بما فيه لهما وعليهما من الأحكام، وهو الإصلاحُ بينهما
بالعدل. فإن أبت احداهما الإجابة إلى حكم كتاب الله، وتعدّت ما جعل الله
عدلاً بين خلقة، وأجابت الأخرى، فالأمر بقتال التي تعتدي وتأبي الإجابة إلى
حكم الله، حتى ترجع إلى حكمة الذي حكم به في كتابه. فإذا رجعت الباغية إلى
الرضا بحكم الله بعد القتال، وجب الصلح بينها وبين الطائفة التي قاتلتها
بالعدل. هذا هو حكم الله تعالى في كتابه.وقال ابن العربي : هذه الآية أصل
في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عوّل الصحابة، ولجأ
أعيان الملّة.
أمّا السنة فحديث ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول:
«مَنْ خلعَ يداً من طاعةٍ، لقيَ الله يومَ القيامةِ لا حجَّةَ له، ومَنْ
ماتَ وليسَ في عُنُقهِ بيعةٌ ماتَ ميتةً جاهلية» أخرجه مسلم.
وفي الباب حديث أبي هريرة عند مسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال:
«من خرج من الطّاعةِ وفارقَ الجماعَةَ فماتَ، ماتَ مِيْتةً جاهليَّةً،
ومنْ قاتلَ تحتَ راية عُمِّيَّة يغضبُ لعصبَةٍ أو يدعُو إلى عصبَةٍ أو
ينصرُ عَصَبة، فقُتِل، فقِتْلَةٌ جاهلية، ومَنْ خرجَ على أُمَّتِيْ يضربُ
برَّها وفاجرَها، ولا يتحاشَى من مؤمنها، ولا يفي لذي عَهْدٍ عَهْدَهُ،
فليسَ مني ولستُ منهُ» .
وعند مسلم في حديث جنْدُب بن عبد الله البجليِّ قال: قال رسول الله : «مَنْ
قُتِلَ تحت راية عُمِّيَّةٍ يدعو عصبيَّةً، أو ينصرُ عصبيّةً، مات ميتةً
جاهلية» .
وأخرج مسلم حديث ابن عباس قال: قال رسول الله : «مَنْ رَأى مِنْ أميرِهِ
شيئاً يكرهُهُ، فلْيصْبرْ، فإنه مَنْ فارَقَ الجماعةَ شبْراً، فماتَ، ماتَ
ميتةً جاهلية» وفي رواية: «من كَرِه من أميره شيئاً فليصْبِرْ» .
والعُمِّيَّة: بضمّ العين وكسرها، لغتان هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه،
قاله أحمد بن حنبل والجمهور. وقال إسحاق بن راهويه: هذا كتقاتل القوم
للعصبية.
وأخرج مسلم حديث عرفجة قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول:
إنها ستكونُ هَنَاتٌ وهَنَاتٌ، فمن أراد أن يفرِّق أمرَ هذه الأمةِ وهي
جميعٌ فاضربُوه بالسَّيْفِ كائناً مَنْ كان» وفي رواية: «يريدُ أن يشقَّ
عصاكُم أو يفرّقَ جماعتَكُمْ فاقتُلُوه» وقال النووي : فيه الأمر بالقتال،
بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك. ويُنهى عن
ذلك، فإنْ لم ينته قوتل، وإنْ لم يندفعْ شرّه إلا بقتله، فقتله كان
هدراً.لا تنازِعُوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترِضُوا عليهم، إلا أن
تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك،
فأنكروه عليهم، وقولوا بالحقّ حيث ما كنتم، وأمّا الخروج عليهم وقتالهم
فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين كما قال النووي ، وأجمع أهل
السنة: أنه لا ينعزل الإمام بالفسق.وقال العلماء:
وسبب انعزاله وتحريم الخروج عليه، ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة
الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه