Hussein mamdouh
تمكن رجال تشيزاري
برانديلي من العبور إلى نهائي كأس أمم أوروبا 2012 بعد التغلب على الألمان
بهدفين مقابل هدف واحد، في الوقت الذي كان الكثيرون فيه يرشحون الناسيونال
مانشافت ليس فقط لحجز مقعده في النهائي ولكن لنيل اللقب الغالي وانتزاعه من
الماتادور الإسباني حامل اللقب.
وصيف
النسخة الماضية من اليورو قدم بطولة جيدة جداً، ويكفي أنه الفريق الوحيد
الذي استطاع جمع النقاط التسع كاملةً من دور المجموعات، مع الوضع في
الاعتبار أنه كان ضمن مجموعة الموت التي ضمت إلى جانبه كلاً من: البرتغال،
هولندا والدنمارك.
ثم اكتسح شفانشتايجر ورفاقه
اليونانيين برباعية في ربع النهائي، لتصب التكهنات في خانة الألمان لبلوغ
المباراة الختامية على حساب الطليان الذين تفوقوا بدورهم على الإنجليز من
خلال ركلات الترجيح بعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي للقاء بالتعادل
السلبي.
في هذا التحليل، نسرد أبرز الأسباب التي أدت لتوديع الألمان للبطولة، ومرافقة
الطليان للإسبان إلى الاستاد الأولمبي:
1- براعة جي جي بوفون كم هو محظوظ المنتخب
الإيطالي لامتلاك هذا الحارس الأمين. جيانلويجي بوفون الليلة أثبت أنه
يستحق لقب الأفضل على مستوى العالم –مع كامل الاحترام لقدرات وإمكانيات نجم
الريال والمنتخب الإسباني إيكر كاسياس-، ولكن نجم اليوفي تألق بصورة ملفتة
للنظر أمام الماكينات الألمانية وكان سداً منيعاً ضد جل المحاولات
والتسديدات الألمانية التي أتت عبر خضيرة وكروس ورفاقهما.
صاحب الـ 34 عاماً كان في
قمة تركيزه اليوم، ما مكنه من أخذ المواضع المثالية في كل الكرات الخطيرة
على مرماه، كما ساعدته قامته الطويلة على إبعاد تسديدة ريوس الرائعة جداً
من خلال الضربة الثابتة.
ثبات بوفون أعطى الراحة والطمأنينة لرباعي الدفاع الطلياني الذي كان ممتازاً اليوم.
2- نجاعة بالوتيليكلل ماريو بالوتيلي مجهودات
بوفون بهدفين رائعين، برهن من خلالهما سوبر ماريو على قيمته التهديفية حيث
استغل الفرصتين كأفضل ما يكون. نجم المان سيتي نجح في التفوق على هولدجير
بادشتوبر في لقطة الهدف الأول ووضع الكرة برأسه في شباك الألمان، ثم انطلق
في توقيت مثالي -لكسر مصيدة التسلل- في كرة الهدف الثاني ثم سدد الكرة قوية
في مكان بعيد تماماً عن حارس البايرن والمانشافت الألماني مانويل نوير
ليعقد الأمور كثيراً على المدرب يواكيم لوف، وأكاد أجزم أنه لو كان أضاع
تلك الفرصة، لشهدت المباراة "سيناريو" مختلفاً تماماً.
إذاً، نجاعة بالوتيلي كان
لها دور كبير في حسم الأمور لصالح الطليان، فما فائدة أن تدافع جيداً من
دون أن تسجل، أضف إلى ذلك الضريبة التي يدفعها من يهدر الفرص السهلة، هذا
ما عودتنا عليه كرة القدم ..
3- بيرلو .. المايسترو أبدع في الشتاء مع اليوفنتوس
وجعل الميلان يعض أصابع الندم على التفريط في خدماته بعدما قاد اليوفي
لتقديم موسم استثنائي وانتزاع لقب الكالتشيو الإيطالي من الروسونيري، والآن
ها هو يقدم عطاءات هائلة مع الأدزوري ..
أعتقد أنني لن أكون ظالماً
إذا منحت صاحب الـ 33 عاماً لقب أفضل لاعب في النسخة الجارية من اليورو
لدوره الرائع في قيادة وسط الطليان لربح أم المعارك من خلال التحكم في نسق
المباراة مستغلاً خبراته وتجاربه العديدة على المستويين المحلي والدولي.
بطل الدوري الإيطالي مع
السيدة العجوز كان مميزاً اليوم في كيفية الاحتفاظ بالكرة ثم تمريرها بشكل
سليم لأحد الرفقاء لنقل فريقه من الحالة الدفاعية إلى الهجومية، حتى أن
نسبة تمريراته السليمة بلغت 84% !. رباعي الوسط الإيطالي تفوق بشكل تام على
نظيره في المنتخب الألماني فلم نشعر مثلاً بتواجد لاعب بقيمة وحجم باستيان
شفانشتايجر !. لا ننسى أيضاً أولى لمحات الخطورة لصالح الألمان والتي لعب
فيها بيرلو دور البطل بتمركزه الممتاز على القائم الأيمن ونجح بمساعدة
بوفون في إبعاد الخطورة عن مرماه.
4- الأخطاء الساذجة لدفاع الألمان لا نبخس بالطبع قيمة العمل
الذي قام به ثنائي قلب هجوم الطليان كاسانو وبالوتيلي في لقطة الهدف الأول،
ولا التزامن والربط المثاليين بين مونتوليفو وسوبر ماريو في لقطتي هدفي
الطليان، ولكن الدفاع الألماني وقع في أخطاء ساذجة جداً وغير مقبولة أبداً
من عناصره، فكيف نجح كاسانو في التخلص من هوملس وسط "فرجة" جيروم بواتينج
ليرسل أنتونيو التوزيعة لبالوتيلي المراقب من قبل بادشتوبر ولكنه استطاع أن
يتفوق على مدافع البايرن الذي نظر إلى الكرة فقط ولم ينتبه إلى تحرك مهاجم
السيتيزن، وأدعوك عزيزي القارئ لعقد مقارنة بين تلك اللقطة ولقطة أخرى
مماثلة لبالزاريتي المدافع الأيمن للمنتخب الإيطالي في تلك المباراة عندما
أنقذ كرة عرضية ممتازة جداً كانت في طريقها إلى لوكاس بودولسكي قبل أن
يغادر الميدان في الشوط الثاني ويحل ريوس بديلاً له، لاعب باليرمو بحث عن
الوصول للكرة قبل لاعب آرسنال القادم فكانت عينٌ على الكرة والأخرى على
اللاعب المنافس، وهذا هو التصرف المثالي من قبل المدافع في مثل هذه المواقف
!.
أما الهدف الثاني فجاء نتيجة
لخطأ كبير من جانب المدافع المتمرس فيليب لام الذي لم يستطع أن يوقع
بالوتيلي في مصيدة التسلل، كما لم ينجح في الانزلاق في الوقت المناسب
لإبعاد كرة سوبر ماريو.
العقاب جاء قاسياً جداً
للألمان على تلك الهفوات الدفاعية، التي استمرت خلال الشطر الثاني من
المباراة وتحديداً خلال الفترة التي لعب خلالها الألمان بدفاع ثلاثي.
في المقابل، امتكلت إيطاليا
في تلك المباراة منظومة دفاعية من أعلى طراز، فتألق بونوتشي وبارزالي في
المحور وبرع كيليني وخصوصاً بالزاريتي على الرواقين واستطاع الرباعي الرائع
الحد من خطورة جوميز قبل أن يحل كلوزه في الشوط الثاني ويفشل مثل زميله
البافاري ومثل البقية في هز شباك بوفون قبل أن يسجل أوزيل من ركلة الجزاء
في نهاية المباراة.
5- خطايا يواكيم لوفأعتقد أن يواكيم لوف المدير
الفني لمنتخب ألمانيا هو المسؤول الأول عن خروج الناسيونال مانشافت من
الدور نصف النهائي وتفويت فرصة ربما لن تتكرر بالحصول على لقب اليورو في ظل
تواجد مجموعة مميزة جداً من اللاعبين وتراجع مستوى حامل اللقب في ظل غياب
الثنائي بويول وفيا وهبوط مستوى بيكيه وتوريس.
صاحب الـ 52 عاماً يبدو أنه
ظن أنه قادر على التغلب على أي فريق بأي 11 لاعباً يدفع بهم خلال المباراة،
فبعد إشراك ثلاثي جديد في خط الهجوم والنصر الرباعي على اليونان بحارسها
"المتواضع جداً"، دفع لوف منذ بداية لقاء نصف النهائي بتوني كروس على حساب
توماس مولر كمتوسط ميدان ثالث بجوار الثنائي شفانشتايجر وخضيرة، ولعب أوزيل
على الرواق الأيمن، بينما أخذ بودولسكي مكانه الطبيعي في الجهة اليسرى خلف
مهاجم وحيد هو ماريو جوميز الذي لم يكن بكل الامتياز في تلك المقابلة.
السؤال هنا الذي يفرض نفسه:
ما الداعي وراء تغيير طريقة اللعب، خصوصاً لو سيترتب على ذلك أنك ستبعد
أبرز نجومك وهو مسعود أوزيل عن مناطق صناعة اللعب، وهو بالمناسبة نفس الخطأ
الذي يرتكبه دل بوسكي مع المنتخب الإسباني في مقابلاته بهذا اليورو
بالاعتماد على دافيد سيلفا نجم مانشستر سيتي كجناح أيمن وهو الدور الذي لا
يتقنه لا بطل الليجا مع الميرينجي ولا بطل البريمير ليج مع السيتيزن، أضف
إلى ذلك الاستغناء عن خدمات لاعب بقيمة توماس مولر أفضل لاعب شاب في كأس
العالم 2010 وكذلك أفضل هداف في ذات البطولة، هذا كله فضلاً عن أنك تواجه
فريقاً لا يلعب بأروقة في وسط الملعب وبالتالي فإن خيار المرور من العمق
ليس حكيماً بالمرة !.
لا أدري بكل صراحة ماذا كان
دور توني كروس في الملعب -غير التصويب البعيد-، هل كان بهدف مثلاً منح حرية
التقدم للأمام لذي الأصول التونسية سامي خضيرة؟، وهل يملك نجم الريال تلك
القدرات الهجومية الخارقة لتغيير طريقة اللعب بالكامل حتى يتسنى لخضيرة
التقدم إلى مناطق إيطاليا الدفاعية بكامل حريته !، إذا كان لوف يريد أن
يلعب بهذا الثلاثي المكون من شفايني وخضيرة وكروس في منتصف الملعب، فكان من
الأحرى أن يلعب الثنائي الأخير خلف شفانشتايجر، لماذا؟ لأنه ببساطة القادر
على القيام بدور صانع الألعاب في ظل تواجد أوزيل على الرواق الأيمن، ولكن
شفايني تاه الليلة ولم يتمكن بمساعدة رفاقه من مجابهة زملاء بيرلو. إذا كان
لوف يرغب في أن يجني ذات المردود الإيجابي الذي كان يقدمه ثلاثي وسط
البايرن: كروس وشفايني وجوستافو مع يوب هاينكس أمام الريال وتشيلسي في
النسخة الأخيرة من دوري الأبطال، فلماذا لم يمنح خضيرة الواجبات نفسها التي
كانت توكل للبرازيلي لويس جوستافو !.
ما تحدثنا عنه هو بالطبع
أكبر أخطاء يواكيم لوف في تلك المباراة ولكنه استمر في إدارته السيئة
للقاء، فقد كان على مدرب فنربخشة السابق أن يدرك أن منتخب بلاده ليس بحاجة
إلى تبديل على مستوى الأفراد فحسب، ولكن إلى تغيير طريقة اللعب وتغيير مركز
أوزيل بالتحديد حتى يتمكن كلٌ من أوزيل وشفايني من فك طلاسم الدفاعات
الإيطالية وبالتالي يظهر المهاجم الهداف ماريو جوميز بصورة أفضل.
المشكلة لم تكن في ثاني أفضل
هدافي التشامبيونز ليج خلف ميسي، ولكن حتى كلوزه لم يشكل أي إضافة رغم
اشتراكه منذ بداية الشوط الثاني، ولم يكن الحل هو خروج بودولسكي إذا كان
خضيرة متوسط الميدان الدفاعي سيلعب كجناح أيمن !، أم أراد لوف أن يصحح خطأه
بأن يدخل أوزيل إلى العمق ويرتكب خطئاً آخر، مع أي المعسكرين كنت سيد
يواكيم؟!.
كان ينبغي على متوسط ميدان
فرايبورج المتقاعد أن يدفع باللاعب ريوس بديلاً لتوني كروس ليعود المنتخب
الألماني إلى انتهاج طريقة 4-2-3-1 على أن يتواجد ريوس على الجهة اليمنى
وبودولسكي في الرواق الأيسر، ومن ثم مراقبة أداء ماريو جوميز، إذا تحسن
مردوده وظلت النتيجة على ما هي عليه، كان من الممكن أن يلعب كلوزه على حساب
بودولسكي مع تقدم فيليب لام قليلاً للأمام، وإن لم يتحسن مردود جوميز،
فليخرج ويحل كلوزه بديلاً له، ويأخذ توماس مولر مكانه هو الآخر في تشكيلة
المانشافت على حساب بودولسكي.
التبديل الثالث للألمان كان
بمثابة اختراع جديد من قبل السيد يواكيم لوف كاد يكلف منتخب بلاده خسارة
تاريخية والخروج بفضيحة من اليورو أمام الطليان لولا رعونة كلٍ من ماركيزيو
ودي ناتالي !.
على الجانب الآخر، أجرى
تشيزاري برانديلي المدير الفني للأدزوري تبديلين فقط في التشكيلة الأساسية
وعلى مستوى الرواقين الدفاعيين بالتحديد وكانت اختياراته سليمة تماماً
بالدفع بجورجيو كيليني العائد من الإصابة على الرواق الأيسر وهو المركز
الذي بدأ فيه صاحب الـ 27 عاماً مسيرته الكروية وباللاعب بالزاريتي في
الجهة اليمنى بدلاً من أباتي نظراً للقدرات الدفاعية المميزة للأول خاصة
على مستوى التغطية العكسية لمقابلة بودولسكي الذي كثيراً ما يدخل إلى العمق
لتلقي الكرات العرضية الآتية من الرواق الآخر.
كذلك تبديلات إيطاليا جاءت
جيدة جداً بالدفع بديامانتي وهو الذي يجيد لعب الكرات الطويلة على حساب
كاسانو ليلعب خلف بالوتيلي، ثم سحب بالوتيلي من أجل ادخاره للنهائي ضد
الإسبان يوم الأحد المقبل ونزول اللاعب السريع دي ناتالي، وأخيراً إقحام
متوسط ميدان دفاعي والحديث عن تياجو موتا نجم باريس سان جيرمان بدلاً من
ريكاردو مونتوليفو ذي الميول الهجومية، مع منح حرية التقدم للاعب ماركيزيو
الذي كاد يضيف الهدف الثالث لمنتخب بلاده في مناسبتين.
الخلاصة: الطليان نجحوا في استثمار خطايا يواكيم لوف وأخطاء الدفاع الألماني، ومع
امتلاكهم حارس بارع، منظومة دفاعية ممتازة، مايسترو في وسط الملعب وكذلك
مهاجم قناص قادر على إرهاب كل الحارس، استحقوا عن جدارة الوصول للمباراة
النهائية ومقابلة الإسبان، الذين سيتعين عليهم القيام بعمل كبير وشاق جداً
للتغلب على الطليان وتحقيق ما لم يحققه أحد بالاحتفاظ بلقبهم الغالي وتأكيد
زعامتهم للكرة الأوروبية والعالمية.