يدخلون الجنه بغير حساب ولا سابقة عذاب ين بن عبد الرحمن قال : ( كنت عند سعيد بن جبير فقال : ( أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ فقلت : أنا ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت . قال : فما صنعت ؟ قلت : ارتقيت قال : فما حملك على ذلك ؟ قلت : حديث حدثناه الشعبي قال : وما حدثكم ؟ قلت حدثنا عن بريدة ابن الحصيب أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة قال : قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي : هذا موسى وقومه فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب " ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك فقال بعضهم : فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم : فلعلهم الذي ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال :" هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون " فقام عكاشة بن محصن فقال : ادع الله أن يجعلني منهم قال :" أنت منهم " ثم قام رجل آخر فقال : ادع الله أن يجعلني منهم فقال :" سبقك بها عكاشة "
إليكم بعض المعاني لبعض الكلمات الواردة في الحديث :
الكوكب : الشهاب الذي يرمى به الشياطين الذين يسترقون السمع وليس معناه أن الكوكب نفسه يسقط ولكن ينفصل منه شظية .
انقض البارحة : الذي سقط والبارحة كلمة تطلق على الليلة الماضية ...
( قلت : أنا ) :يعني رأيت الكوكب فدل هذا على أن هذا الرجل لم ينم . ثم إنه خشي على نفسه من الرياء فاستدرك وقال ( أما إني لم أكن في صلاة ) : والمعنى لا تظنوا أني سهرت أتهجد خشي على نفسه الرياء أن يمدح بشيء ليس فيه (( وهذا من ورع السلف ابتعادهم عن الرياء وتزكية النفس لأن هذا ينافي الإخلاص ))
( ولكني لدغت ) : يعني السبب في كوني كنت مستيقظا وقت نزول الشهاب أنني لدغت .
واللدغ معناه : إصابة ذات السموم من العقارب ونحوها .
( قال : فما صنعت ) : لأن من عادة الملدوغ أنه يتعاطى شيئا من العلاج .
( ارتقيت ) :يعني طلبت من يرقيني بالقرآن .
والرقية معناها : أن يقرأ على المصاب بالمرض أو باللدغ من القرآن والأدعية وينفث على موضع الإصابة وموضع الألم وهذا من أنفع العلاج إذا صدر عن يقين من الراقي ويقين من المرقي لأن الله تعالى أنزل هذا القرآن شفاء للأمراض المعنوية : أمراض الشرك والنفاق والمعاصي ، والأمراض الحسية : أمراض الأجساد لأنه كلام رب العالمين { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين }وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم ورُقي عليه الصلاة والسلام رقاه جبريل لما أصابه السحر ورقى صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فالرقية بالكتاب والأدعية أمر مشروع .
(قال : فما حملك على هذا ) : هذا فيه أن السلف يطلبون الدليل على ما يفعلون وما يقولون .
أما الذهاب إلى المشعوذين والدجالين والسحرة والكذبة فهو محرم وقد يكون شركا أكبر يخرج صاحبه من الملة إذا ذبح لغير الله أو دعا غير الله أو استغاث بالجن أو الشياطين ولو فرضنا أنه شفي ماذا ينفعه إذا ذهبت عقيدته وصح جسمه هذا أمر خطير جدا يجب التحرز منه .
(..الشعبي ..) من أئمة التابعين ، ( بريدة ..) من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
( لا رقية إلا من عين أو حمة ) لا رقية يعني : أنفع وأشفى إلا من عين أي : إصابة العين بسبب الحسد الذي يكون في بعض الناس إذا نظر إلى الأشياء أصيبت على أثر نظرته لأن نظره مسموم وهذا من عجائب خلق الله تعالى وقدرته أنه يجعل بعض الأنظار مسمومة في الحديث ( العين حق ولو أن شيئا سبق القدر لسبقته العين ) وفي الحديث ( العين حق وإن استغسلتم فاغسلوا )
(فرأيت ..الرهط ) هم الجماعة دون العشرة يعني : لم يتبعه من أمته إلا دون العشرة وبقية الأمة كفروا به .
(سواد عظيم ) السواد هو الأشباح البعيدة .( هذا موسى وقومه ) فيه فضل موسى عليه السلام وأنه اتبعه من قومه خلق كثير فهو من أكثر الرسل أتباعا بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
( صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) لأن أفضل الأمة هم الصحابة . ( ..ولدوا في الإسلام ) يعني الذين ولدوا بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أولاد المسلمين وبقوا على الفطرة الصحيحة .
( هم الذين لا يسترقون )يعني لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم لماذا؟ لأن طلب الرقية من الناس سؤال للمخلوق والسؤال للمخلوق فيه ذلة فهم يستغنون عن الناس ويعتمدون على الله تعالى وهذا من تمام التوحيد أن الإنسان لا يسأل الناس ، والنبي صلى الله عليه وسلم بايع بعض أصحابه أن لا يسألوا الناس شيئا فكان أحدهم إذا سقط سوطه من على راحلته لا يقول لأحد : ناولني السوط لأنهم يريدون الاستغناء عن الناس لكن سؤال أهل العلم عما أشكل ليس من هذا وهو واجب { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }وسؤال المال يجوز للحاجة إذا كان الإنسان مضطرا فإنه يجوز أن يسأل الناس حتى ترتفع ضرورته أما سؤال الإنسان الناس وهو غني فهذا حرام ( من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا فليقل أو ليستكثر )
( ولا يكتوون ) كذلك لا يطلبون من غيرهم أن يكويهم بالنار من أجل العلاج .وفي الحديث ( الشفاء في ثلاث شربة عسل أو شرطة محجم أو كية بنار ) وفي رواية أخرى ( وأنا أكره الكي ) فالكي عند الحاجة علاج مباح ولكنه إذا طلبته من غيرك يكون مكروها لأنه من مسألة الناس ويكره الكي أيضا لما فيه من التعذيب بالنار .
( ولا يتطيرون ) التطير : التشاؤم بالطيور وغيرها ثم يرجع عن ما عزم عليها هذا هو التطير أما التفاؤل فهو المشروع وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعجبه الفأل لأنه حسن ظن بالله أما الطيرة فهي سوء ظن بالله .
من كتاب إعانة المستفيد للشيخ الفوزان حفظه الله