مات بقية السلف مات شيخ العلماء وعالم الأمة وبقية السلف .. مات العالم الرباني والرجل
الزاهد والعالم المجاهد .. إنه شيخ الإسلام في عصره وزمانه .. سماحة مفتي
عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز..
استيقظت صباح الخميس على مكالمة هاتفية من أحد الأخوة الفضلاء فأبلغني
بالخير الصاعقة فرددت " إنا لله وإنا إليه راجعون " وترحمت على شيخنا ودعوت
له.. حقا إن موت العلماء خسارة كبيرة ومصيبة عظيمة فكيف إذا كان مصاب
الأمة في عالم كبير كالشيخ ابن باز لا شك أنه مصاب جلل.
لقد جمع سماحته الكثير من الصفات والمزايا فأحبه الناس كاتب أو متحدث أن يحصي فضائل الشيخ.
كان أنموذجا فريدا للعالم المسلم بكل ما يجب أن يتصف به من الصفات والأخلاق
والمزايا.. جمع سماحته العلم والفضل وحسن الخلق وكريم السجايا وسلامة
الصدر وطيبة القلب ونقاء السرير وصفاء النفس كان في العلم قمة شامخة وعلما
بارزا لا يملك من استمع إليه أو قرأ له سمع عنه إلا أن يقابله بالإجلال
والتقدير والاحترام.
كن يحظى رحمه الله باحترام الجميع ففتاواه ودروسه وتوجيهاته كانت موضوع
القبول من جميع المسلمين وليس في المملكة فحسب.. أعرف كثيرين من المسلمين
من خارج المملكة لا يطمئنون إلا إلى فتاوى سماحته وأذكر أن رجلا من "
المغرب الشقيق " حصل بينه وبين زوجته خلاف في مسألة من المسائل وأصرت زوجها
أن يتصل بابن باز في " الرياض " لمعرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة
وبالفعل تم الاتصال بسماحته – يرحمه الله – وأجاب على استفسارهم وما ذلك
إلا لاطمئنانهم وثقتهم الكبيرة بسماحته .
هذا من علمه أما عن أخلاقه فحدث ولا حرج كريم بماله وجاهه ووقته.. سعادته في قضاء حوائج الناس وفك كربهم ومساعدهم وتيسير أمورهم .
قلبه الكبير وبيته ومكتبه كلها مفتوحة لاستقبال الناس على مختلف فئاتهم
ومستوياتهم ليس في مجلسه لغو أو غريبة أو فضل كلام لا تسمع فيه إلا ذكر
الله تسبيح أو تهليل أو تلاوة أو حديث نافع أو موعظة مؤثرة أو توجيه سديد
..
أما طيبة قلبه ونقاء سريرته وسلامة صدره فلا يكاد يختلف عليها اثنان فإذا
ما ذكر ابن باز تذكر الناس أبرز صفاته وأجملها " سلامة الصدر " لا يحمل في
قلبه إلا الحب والخير والعطف على الناس جميعا.. لا يسمح أن يذكر في مجلسه
أحد بسوء فضلا عن أن يسمع منه في أي شخص اتفق معه واختلف إلا الخير.. ولهذا
أجمع الناس على حبه وتقديره .. إنه ابن باز الذي اتخذ من السلف الصالح
القدوة والأسوة في أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته .. إن رحيله خسارة كبيرة
ليس لنا في المملكة العربية السعودية بل للأمة الإسلامية قاطبة.
لقد رحل عنا في ظروف نحن أحوج ما نكون فيها إلى عمله وحكمته وآرائه
وتوجيهاته ولكن عزاءنا أن سيرته العطرة وعلمه الغزيرة وذكره الطيب.. ستبقى
بيننا حية متوقدة كما أن تلاميذه المخلصين وأبنائه البررة سيسرون على منهجه
المتسم بالحكمة والتوسط والاعتدال.*
د. إبراهيم بن محمد أبو عبادة
رئيس جهاز التوجيه والإرشاد بالحرس الوطني
المملكة العربية السعودية
مقتطف من كلمته المنشورة في جريدة الرياض السعودية