حدود إنسانية
حدود إنسانية
قصة قصيرة
لا أدري من أين أتيت ، لكني علمت أني من نطفة أبي ، في رحم أمي وضعت ، وفيه خلقت ، حدوده ظلمات ثلاث ، ومن حبل سري يأتي رزقي ، بلا قلق ، ولا إرهاق ؟! ويأتيني هواء .
وبقيت تسعة أشهر وعشرة أيام ، وربما عدة ساعات ، يعلم الكل عني ، وأنا عني لا أعلم شيئاً .
ومن بطن أمي نزلت ، واتسعت حدودي ، وصرت فرد ، في مربع صغير يسمى غرفة نوم ، وبقيت أمي الإنسان الوحيد الذي ألفت ، ولبن صدرها مصدر رزقي الذي منه نهلت ، وبين شهيقي وزفيري كبرت ، ونظرات عيني تتلقف عشرات الوجوه ، التي لها ما عرفت ، ولكني عادة بالابتسامة رددت ، وببعض الغمغمات مزحت ، وبغرغرة لعابي تسليت ، ولا أذكر إني بكيت ؟!
واتسعت حدودي ، عندما من غرفة نومي خرجت ، وصارت حدودي عدة غرف يقال لها بيت ، وزحفت وسط تصفيقً حار ، وبقى التصفيق حتى مشيت ؟! ويأتيني من يخطب ودي ، فأصفعه إذا رأيت ، ومن أخطب وده يتجاهلني فأصفعه حتى ارتويت ، لكني كما أنا بقيت ، عرفت واضع نطفتي ، وشركاء رحلتي ، وتذوقت أطعمة ، فأحببت بعضها ، وزهدت بعضها ، وما رضيت ؟! وصرت أستحي مما تخرج أحشائي ، وبالفطرة تواريت ؟! ورحت أغوص في أعماق حدودي حتى انتهيت .
واتسعت حدودي مع زى مدرسي ، وحافلة تقلني ، وأسوار تحيطني ، وفصل يضمني ، ومعلمة تدرسني ، وزملاء يحيطون بي ، عقلي يتسع ، وقلبي يختلع ، فأنا أريد كل شيء ، ولا أحصل إلا على شيء ؟! وصارت غمغمة الرضيع سباب ، وغرغرة اللعاب بصقات ، ولكني أبداً ما استرحت ، ولا أرحت ؟!
وقبل أن يكتمل نموي نضجت ، واتسعت حدودي بحجم الأرض ، فنهلت من معارفها ، وسحت حول معالمها ، في كل البحور أبحرت ، وفي أعماق المحيطات غصت ، عسى أن أدرك حد ليس بعده حد وكلما تعمقت ، للسماء عدت ، وأدركت إنها ربما نهاية حدودي ، وسر وجودي ، فإليها اتجهت ؟!
مع من صعد للقمر صعدت ، وعليه بقدمي وطئت ، ومن حدود الغلاف خرجت ، واتسعت حدودي إلى ما بعد الأرض ، ازددت شغفاً وامتلأت ثقة ، وبعد التجول من حد إلى حد ذهبت ، أحطم كل أركاني ، أهدم كل بنياني ، وأظن إني للحقيقة قد وصلت ، ونسيت إني من مجهول أتيت ؟!
وإلى ما بعد ، بعد الأرض اقتحمت ، وعلى المريخ هبطت ، فإذا بحدود ما قبل الميلاد ، تتسع إلى حدود ما بعد الفضاء ، وفيه أضعت نفسي ، في كون له اكتشفت ، وحدود أسبح فيها وما رجعت ، تمرد دائماً يدفعني لأجتاز ما بعد الحدود ، وعلى كبح عصيانه ما قدرت ؟!
في فضاء المجرة سبحت ، ورأيت مجرات بعدها مجرات ، حتى إني ذات يوم رجعت ، وكان الشيب قد نال من رأسي،
سألت عن أمي ، فلم يجبني أحد ، ولكني أحسست ؟!
ورحت أتأمل مرقد ها ، وتفيض عينيا بأنهار من الدموع ، ولكني تحيرت ، كيف إن حدودي التي اتسعت بحجم المجرة ، تنتهي في رحم الأرض ، في حفرة تسمى قبر ؟!
أجمل ماقرأت وأرقها من كلمات
ودي وخالص احترامي